صراحة بالخط العريض

خاص بسواليف
بقلم: مجدي حمدان

هل أنت مستعد لمواجهة الصراحة وهل في الصراحة راحة ؟

هكذا يعرض موقع «صراحة» الذي شاع استخدامه مؤخرًا كمنصة اجتماعية جديدة رسالته والهدف من إنشائه :
يبدو الأمر وكأن العالم يهمه أن يعرف عنك ومنك بكل الطرق ولا تكتفي هذه المواقع بمحاولة المعرفة عنك كشخص إنما كواقع وانتماء. ماذا تأكل؟ وأين أنت؟ من تحب؟ كيف تبدو؟

في منشور نشره على صفحته أشار المؤسس مارك زوكربيرج إلى أن الموقع حقق نجاحًا كبيرًا عبر منصاته المتعددة في ربط مزيد من الناس بعضهم ببعض .

هل هو موقع للأنتقام الشخصي ؟

حول سبب انتشار الموقع بين الشباب العرب، يقول الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، إن الخجل الاجتماعي هو المحرك الأساسي لزيادة إقبال الشباب العربي على الموقع، والخجل بالمفهوم النفسي العلمي يعتبر أزمة عارضة قد تصيب جميع أبناء البشر على السواء من رجال ونساء وأطفال، ولكن الأمر غير طبيعي حين يصبح الخجل صفة من صفات الطبع أي حين يكون الإنسان خجولا

لكن الدكتور جمال يؤكد أن أزمة الخجل لا يمكن أن تحدث إلا بوجود شخص أو أشخاص يوجهون انتباههم إلينا ليعترينا الخجل وهذا بالتحديد ما يوفره الموقع حيث إنه يشعرك بأن هناك أشخاصا مهتمون بك حتى ولو كانوا مجهولي الهوية.

الحرية المطلقة للنقد هو السبب الذي يعتقده مستشار الطب النفسي لرواد الموقع ووجود حالة الاختناق النقدي التي تشكلت تحت تأثيرات الهيمنة الاجتماعية الأبوية وسيادة التسلط الثقافي والسياسي والاقتصادي الذي وسّع مساحات الكبت والمحظور، هذا الواقع الذي ثبّت حالة من الارتباك والاختناق جعل الكثير من الشباب العربي يجد ضالته في الفضاء الافتراضي وحملت الرسائل كمًا كبيرًا من الشر، إذ تمنى أشخاص لبعضهم الموت والمرض وفقدان أشخاص أعزاء عليهم، كما أعرب الكثيرون عن كراهيتهم لمستقبلي الرسائل في هذه الرسائل، منهم من تعاطف مع باعثي الرسائل، ومنهم من أعتقد أنهم مرضى نفسيين ، ومنهم من أعرب عن ذهوله لوجود أشخاص بهذا الكم من الكراهية.

إحدى أكبر السمات المميزة للإنسان هي الرغبة في معرفة كل جديد والسعي نحو إشباع فضوله الذي لا ينتهي. عند قراءتك لعنوان التقرير، وحده الفضول دفعك للدخول لهذه الأسطر ومعرفة كيف يمكن للبعض استغلال بساطة أفكارهم في صناعة الملايين، عند قراءتك لسؤال موقع «صراحة» سيدفعك الفضول أيضًا إلى التسجيل عليه و يدفعنا الفضول إلى قراءة أخبار لأناس لن نقابلهم أبدًا في حياتنا، وإلى تعلم مواضيع لن نستخدمها على الإطلاق، واكتشاف أماكن لن نعود إليها أبدًا ولن نسكنها. نحن فقط نحب التوصل إلى إجابات لعلامات الاستفهام؛ حتى وإن كانت الإجابات غير مفيدة لنا في حياتنا.
لنتخيل أننا نجلس في نهاية يوم شديد التعب بعد رحلة عمل شاقة طوال اليوم، تخالجنا الكثير من الأفكار السلبية، وقبل النوم تصفحنا «فيسبوك» فوجدنا صديقًا نشر الرابط الخاص بالموقع ودخلنا إليه وبعد إبداء آرائنا في هذا الصديق، رأينا السؤال على واجهة الموقع، هل يمكن لفضولنا أن يتغلب على التعب الجسماني وسلبية الأفكار ويجعلنا نخوض غمار التجربة؟

مما سبق يمكن القول بأنه مهما كانت حالتك النفسية، فعند رؤيتك لرابط موقع «صراحة» سيدفعك الفضول للدخول والتسجيل ومشاركة الرابط مع أصدقائك.

من منا لا يحب المديح؟

في حياة كل واحد منا محبون وكارهون له من الأصدقاء والمجتمع من حوله، حتى أكثر الأشخاص المكروهين بالنسبة لنا، لديهم أصدقاء مقربون يحبونهم أو يحبون بعض الصفات الجيدة فيهم، لذا فإن معرفة رأي الآخرين فيك تتضمن نوعًا من احتمالية المديح، فعند مشاركة الرابط مع أصدقائك فأنت متأكد نوعًا ما أن الرسائل ستحوي مديحًا لك ولبعض الصفات الشخصية فيك .
يمكن تلخيص أسباب نجاح الموقع من وجهة نظر العلم بأنه لعب على اثنين من أكثر الأمور أهمية في حياة الفرد الشخصية: الفضول وحب المديح.

السر في نجاح موقع صراحة :

السبب الأخير الذي يُمكن أن يوضح سرّ نجاح الموقع، هو هذه الجملة الصغيرة التي تُطالعك عند دخولك. لم يترك صاحب الفكرة الناس لأخلاقهم أو عاداتهم في الذم والمدح، بل وجههم لجعل نقدهم بناءً قدر الإمكان وأتبع عباراته بهذا الرمز الذي يعني ابتسامة صغيرة كي ينفي صيغة الأمر أو الإلزام في عبارته، وبالنظر إلى حرص غالبية البشر على مراعاة مشاعر المقربين منهم، ومع استبعاد أصحاب المزاح الثقيل، يمكن القول إنه حتى من كان يملك رأيًا سلبيًا فيك فإن رؤيته لهذه العبارة ستجعله أقل قسوة عند إبداء رأيه وسيحاول أن يجعل نقده «إن وُجد» في صالحك بطريقة غير تجريحية لمشاعرك.

سبب الحقد والكره للآخرين من خلال موقع صراحة

الحقد والكراهية وحب الانتقام قد ينشأ من حالات بسيطة فى بدايتها مثل ( الحسد ) لتتطور هذه الحالة الى مرض نفسي يقود صاحبه الى الهلاك ، فالحقد والكراهية والبغضاء وحب الذات والانتقاد وتسفيه آراء الآخرين بمثابة حالة مرضية إن لم تكن آفة من الآفات التى يعانى منها المجتمع حيث ازدادت هذه الحالة في الآونة الأخيرة حتى توغلت في شرائح عديدة من المجتمع وأصبحت هي المتحكم في أفعالهم والمسيطرة على قراراتهم وسلوكياتهم وتصرفاتهم حتى أوصلت البعض الى حالات من التشفى في إبراز عيوب الطرف الآخر متعمدا إيذائه أمام الجميع ومثل هذه الحالات توصل البعض الى درجة التفكير في الانتقام والبحث عن فرصة لذلك ، وعليه وجب علينا أن نتنبه الى ذلك والبحث عن كيفية العلاج ، وكلنا نتفق على أن مجمل هذه الأمراض تأتى من ضعف الإيمان بما قدره الله ، وسيطرة النفس الشيطانية على القلب الضعيف ، وخبث النفس الأمارة بالسوء .

الصراحة: كيف؟ ومع من؟ وما حدودها؟

“إنني إنسان صريح. لا أعرف النفاق ولا الرياء ولا المجاملة. ولا أقول غير الصدق في صراحة كاملة. ولكنني – للأسف الشديد- ساءت علاقتي مع الذين أصارحهم برأيي فيهم أو في تصرفاتهم. فيتعبون، ويسببون لي متاعب.فماذا أفعل. بماذا تنصحني؟ هل من الخطأ أن أتكلم بصراحة؟”
الصراحة ليست خطأ، بل قد تكون فضيلة أحياناً

إنما المهم هو في أسلوبها، ومع من تكون، وكيف تكون؟

والذي يتعب من صراحتك، إنما يتعب من الأسلوب الذي تتكلم به أثناء صراحتك معه. هل هو أسلوب لائق أم غير لائق؟ هل هو أسلوب جارح أو أسلوب قاسٍ؟ وهل يشمل اتهامًا أو توبيخًا؟ وهل هذا الاتهام فيه لون من الظلم، لأنه يعتمد على معلومات غير سليمة قد وصلت إليك؟ وهل أنت تتكلم بروح المحبة أم بروح الهجوم والهدم؟ وهل أنت في صراحتك تتدخل في ما لا يعنيك، وتتجرأ على ما هو ليس من اختصاصك؟لاشك أن الصراحة معه تختلف عن صراحتك مع شخص في نفس سنك ومركزك. وتختلف عن صراحتك مع صديق توجد بينك وبينه دالة. وتسمح هذه الدالة أن تستخدم معه ألفاظًا لا تستطيع أن تستخدمها مع شخص كبير إنك تستطيع مثلًا أن تقول في صراحتك مع صديق “أنت غلطان”. ولكنك ربما لا تستطيع أن تقول هذه العبارة لوالدك أو عمك أو أي شخص له مهابة في نظرك. إنما تستخدم تعبيرًا آخر يكون فيه لون من الأدب والاستحياء.

لذلك فإن الصراحة يلزمها أدب المخاطبة:

فعليك في صراحتك أن تكون حريصًا على انتقاء الألفاظ. بحيث تستخدم ألفاظًا تصل بها إلى هدفك، دون أن تهين من تكلمه أو تجرحه أو تسئ إليه، لأن هذا غير لائق ولا يأتي بنتيجة سليمة… فهناك أشخاص -في صراحتهم- يستخدمون ألفاظًا مثل رجم الطوب. ويحاولون أن يخفوا هذا الخطأ تحت اسم الصراحة! ويكون العيب ليس في صراحتهم، وإنما في عدم حرصهم على أدب التخاطب، وفي عدم اللياقة…

فهل الهدف من صراحتك هو التوبيخ والإهانة ومجرد النقد؟ أم الهدف هو تبليغ رسالة معينة؟ أم الهدف هو العتاب والتصالح؟ فإن كان الهدف سليمًا، تكون الوسيلة الموصلة إليه سليمة أيضًا وتأتى بنتيجة طيبة أقول هذا، لأن البعض يظنون أن هدف الصراحة هو توبيخ المخطئ أو من يظنون أنه مخطئ. حسب قول أحدهم مفتخرًا بصراحته:مثل هذا الإنسان (الصريح) يرى في الصراحة إثباتًا لجرأته!!

إنه يتجرأ في الهجوم على الكبار. وكلما ازداد قدر الذي يهاجمه، ازدادت ثقته بنفسه، واعتبر صراحته دفاعًا عن الحق، أو ما يتصور أنه حق! والمشكلة أن مثل هذا الشخص يتطور من الموضوعية إلى النواحي الشخصية! ولا يحترس في استخدام الألفاظ، حتى يصل إلى ما يعتبر سبًا وقذفًا!!

ويظن أن هذا كله هو لون من حرية التعبير! غير أن حرية التعبير لن تكون حرية في التحقير أو في التشهير!!هنا ونشير إلى نوع من الصراحة، هو الصراحة الظالمة.كأن يتكلم إنسان في (صراحة)، دون دراسة وافية لما يقوله، وإنما اعتمادًا على بعض شائعات أو أقاويل لا نصيب له من الصحة. فيوجّه اتهامات قاسية تجرح المشاعر، يقولها بدون تحقق، وبغير مبالاة لنفسية من يتهمه ظلمًا. ويدعى أن الدافع له هو الصراحة. ولكنها صراحة ظالمة…

والبعض قد يُدخل الصراحة في موضوع العتاب:

والعتاب يكون مقبولًا ونافعًا، إن كان الهدف منه هو التصالح وتنقية الأجواء، وإن كان في محبة ومودة. كأن يبدأ بذكر محاسن الصديق ومواقفه الطيبة، قبل أن يتعرض لنقطة العتاب. بهذا يكون أسلوبه مقبولًا ويصل به إلى نتيجة طيبة غير أن البعض باسم الصراحة وعدم المجاملة يعاتب في عنف، وبألفاظ جارحة. وكأنما ينتقم لنفسه أثناء العتاب، ويحط من شأن صديقه. فلا يقبل ذلك منه، ويرد عليه بالمثل، ويشتعل الموقف. وينتهي هذا (العتاب الصريح) بتوسيع الهوة بينهما. وكما قال الشاعر:

ودَعْ العتاب فربّ شرٍّ كان أوله العتاب
ختاماً : هل حقاً في الصراحة راحة ام في الصراحة عذاباً

الكاتب مجدي حمدان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى