سماسرة الدموع / يوسف غيشان

سماسرة الدموع
اليابانيون شعب لا يطيق الانتظار على جاعد الزمن، ولا يصرفون ما بالجيب ويستدينون على ما في الغيب. لذلك لا ينتظرون الصدفة لتجعل ذرة غبار تدخل في صدفة حيوان المحار ، بل أنهم يضخون الغبار داخل الصدفات ، فيتألم الحيوان المسكين ويبكي وينوح.
دموع المحار وصرخات جسده تتجمع حول مركز الألم رويدا رويدا حتى تخنقه ، فيموت المحار وقد خلف وراءة حوصلة من الدموع والألم .. نسميها اللؤلؤ ، حيث تتزين به النساء من اجل طلّة أكثر بهاء ورونقا وجمالا وثراء.
بشكل عام ، فالإنسان لا يأبه بحجم ولا بنوع الآلام الجسدية والنفسية التي يسببها للكائنات الأخرى، الإنسان كائن أناني وقد بنى حضارته على الأنانية ، وعدم الاهتمام بما يجلبه من الكوارث على الكائنات الأخرى. هذا ما عكسه الإنسان على نفسه، أيضا، ولم يعد القوي المتجبر يهتم بما يوقع بالآخرين من أبناء جنسه من مصائب.
أما بشكل خاص ،فإن أنظمة الحكم العربية لا تأبه بما تسببه من ألآم وما تحطم من آمال في شعوبها ،ما دام هذا الألم يمنحها القوة ويشبع لديها شهوة التسلط، ويملأ خزائن الحكام بالمال وأرصدتهم بالأصفار المتزايدة على اليمين (طبعا).
الياباني ومن نقل عنه تلك الطريقة يفعل ذلك لأسباب اقتصادية بحتة ، فالموضوع ليس شخصيا على الإطلاق، إنما هدفه الربح الوفير والمال الكثير ، أما سادة التسلط العربي فيفعلون ذلك أولا وأساسا على سبيل ممارسة السادية وربما تاسعا أو عاشرا من أجل المال ، لأن المتسلط العربي يحمل ضغينة-بل ضغائن- ضد شعبه وأمته وكل ما يذكره بعروبته أو بضميره المتوفى.
افتحوا المقابر والسجون العربية وقوانين الجزاء والمطبوعات والاجتماعات العامة وقوانين الطواريء، فسوف تجدون مقبرة لآليء لا يستغلها احد:
مقبرة في قلوب المعارضين الذين ماتوا تعذيبا أو كمدا!
مقبرة في قلوب الأدباء والشعراء والفنانين
مقبرة في قلوب الصحفيين
مقبرة في قلوب الفقراء
مقبرة في قلوب أمهات
مقبرة في قلوب الأطفال
حتى صار الوطن العربي سلسلة طويلة من الجبانات والمقابر متجاورة يحدها من الشمال مقبرة ومن الجنوب مقبرة ومن الشرق مقبرة ومن الغرب مقبرة … في السماء مقبرة وفي باطن الأرض مقبرة .
إنها مقابر متشابهة ،عليها شاهد قبر واحد مكتوب عليه كلمة واحدة تقول 🙁 هنا يرقد جبر … من بطن أمه للقبر) .
عظم الله أجركم.
من كتابي(مؤخرة ابن خلدون)الصادر عام2006

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى