سارية الفساد / م. عبدالكريم أبو زنيمة

سارية الفساد

ما تتداوله الصحف ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي حول قضية عوني مطيع وشركاه، ما هو إلا سارية سفينة الفساد، فهذه القضية ما كان لها أن تطفو فوق السطح لولا انكشاف أمرها وانبعاث رائحتها داخلياً وخارجياً ولولا الضغوط الخارجية، فما خفي من جرائم الفساد أكبر مما نعتقد أنّنا نعرفه !
هذه الجرائم التي ارتكبت وتُرتكب هي النتيجة الحتمية لوصول ذوي النفوس الردئية والفاشلين إلى مواقع السُّلطة والقرار برعاية جهات رسمية على اعتبار أنَّهم محسوبون عليها، حيث سهّل وصولهم إليها واستمرارهم فيها غياب سيف المحاسبة والعدالة والشفافية ومعايير الكفاءة الإدارية والمعرفية، فمن بين المتهمين في هذه القضية شخصاً أعرفه منذ أن كان طالباً في الجامعة، هذا الشخص كان فاشلاً في دراسته، حيث رسب في السّنة الأولى إذ كان يرسب في معظم الامتحانات، لكنه في النهاية حصل على شهادته الجامعية بطرق وأساليب ملتوية، وكان كما نقول بالعامية “لا يفك الخط” ! حتى أنَّهُ كان يجهل أبسط المعادلات في الفيزياء والرياضيات، تخرج وعاد للوطن وتبوأ المناصب واحداً تلو الآخر بتسارعٍ غريب! كم شخصيةً وطنيةً مخلصة لوطنها قد أقصى هذا الفاشل خلال إدارته لأكثر من دائرة! كيف لنا أن نقدر حجم الضرر الذي الحقه هذا الفاشل بالوطن وكيف نقيس حجم هذه الجرائم ؟
هذا المتهم ليس الحالة الوحيدة ممن هيمنوا على إدارة الوطن وتدمير مقدراته بشكل ممنهج، فخلال حقبة تولي الصلعان إدارة شؤون البلاد وما تلاها، قد جرى – وبشكلٍ ممنهج – تهميش وتحييد وإقصاء لمعظم الشرفاء والمخلصين من مواقع المسؤولية، كما أصبحت إجادة اللغة الإنجليزية معيار وحيد لتولي المناصب الحكومية، هذه الحقبة مهدت لوصول الفاشلين والسماسرة والمنتفعين وعملاء السفارات الأجنبية للتحكم بالإدارة العامة للدولة وتدمير ونهب مقدراتها وإفلاسها، كما مهدت لما نعيشه اليوم من بؤسٍ وشقاء، فمن هي الجهة الخفية الراعية لهذا النهج الشاذ؟
كَسر ظهر الفساد يتطلب سل سيف المحاسبة والعدالة البتّار، ليس بطريقةٍ انتقائية، وإنَّما بطريقةٍ عادلة لا تستثني أحداً، كسر ظهر الفساد يتطلب محاسبة المسؤولين عن حقبةٍ كاملة من السطو والنهب ابتداءً من مشاريع الخصخصة، وحتى يومنا هذا دون مراعاة أو تخوف من هذه الشخصية أو هذه العشيرة، فالأُردن وأمنه وسيادته أكبر من الجميع، فعندما يتعلق الأمر بالمحاربة الجدية للفساد فسيكون الأردنيون جميعاً السيف الذي يبطش بكل الفاسدين وجرائمهم، محاربة الفساد تتطلب كفّ يد كافة المسؤولين الذين توارثوا المناصب وإنهاء سياسة التوريث وتولية أولئك المعارضين من أصحاب الخبرة والكفاءة الذين ضحوا بمناصبهم ورفضوا الانضمام والتّماهي مع نهجِ الفساد، هؤلاء الذين أقصوا من وظائفهم بحجج إعاقة الاستثمار “السلب والنهب”، في ذاكرتهم مخزون هائل عمّا كان يدور من أشكال وأصناف الفساد الذي كان ولا زال يُمارس في دوائر الدولة، نتيجةً لذلك هم الاكفأ على غربلة الدوائر من الفساد والمفسدين وتطوير الأداء والانجازات.
محاربة وكسر ظهر الفساد تعني إعادة الأموال المنهوبة والمودعة في البنوك والمصارف الغربية، حيث تساوي أرصدة ” شلة الفساد ” مجتمعةً مجموع الدين العام الذي أثقل ظهر الدولة! محاربة الفساد تعني تحريك عجلة الاقتصاد والاستثمار الحقيقي وخلق فرص عمل وتشغيل للعاطلين عن العمل وخفض نسبة البطالة، محاربة الفساد تعني بتر تجارة المخدرات والتهريب والتهرب الضريبي، محاربة الفساد تعني أمن واستقرار الوطن والمواطن، فالخطر الحقيقي الذي يهددنا ليس ما يتشدق به أولئك المرتزقة واللصوص، بل هو نهج دولة العلاقات الاجتماعية الوراثية ذات الولاء والانتماء للسفارات الخارجية !

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى