رسالة من جندي سوري أعدمه داعش في تدمر .. “لو أنِّي أعرفُ خاتمتي”

سواليف
نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية رسالة جندي سوري في جيش النظام قاتل ضد قوات المعارضة وقوات تنظيم الدولة الإسلامية داعش وكان مصيره الإعدام في تدمر على يد التنظيم، وخلال الرسالة نقلت الصحيفة عن الجندي الذي نقلت كنيته فقط كيف آمن بالنظام وكيف عانى من أجل ما اعتبره خدمة الوطن وكيف كانت نهايته.

وتقول نيويورك تايمز في تقرير نشرته، الأحد 14 فبراير/شباط 2016، “كانت مراسلاتنا سردية فريدة من نوعها تكشف عن الحقائق على مدار أكثر من عام. كان ضابط الشرطة السوري أبو المجد يرسل إلينا أخباراً من خطوط المواجهة طيلة الوقت وكان يتذمر كثيراً جراء الملل والتعرض لحرارة الشمس الحارقة أثناء العمل؛ وغالباً ما كانت شكواه تنطوي على مشاعر مختلطة من الذعر أو الفخر أو الشك.
وكان ذلك بالنسبة لنا نافذة هامة نطل من خلالها على الحرب الضروس المشتعلة في سوريا التي كنا نضطر إلى متابعتها عن بعد. وكان يرى أنها علاقة بأشخاص يعيشون بعيداً عن رهاب الحرب ولكنهم يهتمون بما يعانيه.

وفي 19 مايو/أيار من العام الماضي، أرسل أبو المجد صورتين، إحداهما له مرتدياً الزي العسكري وهو يدخن النارجيلا ويبتسم؛ وهناك فنجانان من القهوة التركية على المائدة أمامه.

كان في طريقه لركوب حافلة متوجهة إلى مدينة تدمر الصحراوية السورية التي كانت توشك على الوقوع في أيدي تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش). وقد فرت العديد من القوات الحكومية؛ ومع ذلك، صدرت الأوامر لأبي المجد وعشرات آخرين من الجنود بالصمود والقتال في معركة اعتقد أنها محكومة بالهزيمة.
لقد التقط الصور خصيصاً. وكتب قائلاً: “ربما تكون هذه الصور الأخيرة”.

لم نسمع شيئاً عنه مرة أخرى. وبعد انقضاء 6 أسابيع، تلقى والداه مكالمة هاتفية من رجل ذكر أنه جندي وحذرهما قائلاً: “لا تكونا متفائلين”. ثم أغلق الخط.

وذهب والداه إلى مسؤول أمني حيث قدم لهما شخص مسئول ورقة مكتوب بها “مفقود”. واتضح أن تلك العبارة القاسية تخفي قصة مروعة حول محاولة المقاتل اليائسة من أجل النجاة، والصراع الذي يدور بداخله بين الواجب والخوف.
o-3-570


التقينا بأبي المجد منذ أكثر من عام خلال رحلة صحفية إلى تدمر في أبريل/ نيسان 2014. فقد كنا من بين آخر صحفيين دوليين يزورون المدينة وأطلالها القديمة التي قام تنظيم داعش بتفجير بعضها. وكان يبلغ من العمر حينذاك 24 عاماً وكان عضواً بالفريق المكلف بحمايتنا ومتابعتنا.

فقدت بالميرا – المعروفة أيضاً باسم تدمر – كافة سبل المعيشة ومقومات السياحة؛ وكان الرجال يجلسون في شوارعها المغلقة بالكتل الخرسانية دون أن يجدوا ما يفعلونه. وكان متمردو تنظيم داعش على مسافة أميال قليلة ناحية الشرق، بينما كانت دبابات الجيش السوري تحتل القلعة التي ترجع إلى العصور الوسطى وسط تلك الأطلال.

وكانت النساء يهمسن لنا بقصص أقاربهن الذين اختطفوا أو اختفوا على يد الحكومة بعد أن قمعت الثورة. وكان بعض المرافقين لنا عصبيين. وكان صغار الضباط مثل أبي المجد يعتبرون زيارتنا بمثابة إحدى وسائل التسلية النادرة في مثل تلك المواقف. وكانوا يتسلقون الأحجار الجيرية أعلى الأطلال ليلتقطوا صوراً مرحة.

وبعد ذلك بشهر واحد، أرسل أبو المجد رسالة لتحيتنا. وبعدها بدأ يتحدث عن أشياء يفتقدها، مثل الرمان والعنب اللذين كانت عائلته تزرعهما بالتربة البركانية في قرية أجداده بمرتفعات الجولان. وحين أصبح الحوار أكثر عمقاً؛ بدا مذبذباً بين كبريائه بشأن واجبه الوطني ومشاعر الخوف والضجر والغضب التي يعانيها جراء الظلم الذي شهده خلال الحرب على يد حكومته.

وبتواصله معنا، أصبح أبو المجد واحداً من مئات جهات الاتصال التي نتواصل معها داخل سوريا عبر الهاتف والشبكات الاجتماعية الأخرى، مثل سكايب أو واتس آب وفيسبوك وتويتر: منشقون عن الجيش، مسلحون إسلاميون، نشطاء، مسؤولون في الحكومة، أصحاب شركات، أطباء وقادة على كافة الجبهات. فهناك أناس يدعمون الحكومة وآخرون يكرهونها وغيرهم يأملون فقط في أن تتوقف الحرب.
وفر لنا أبو المجد – الذي نستخدم لقبه فقط ولا ننشر صورته لحماية عائلته – معلومات حول حياة المقاتلين التابعين للحكومة السورية. فهو ينتمي إلى فئة مهمة: الموالون السنة. وتسيطر الأغلبية السنية الكبرى في سوريا على التمرد وعلى قاعدة المجندين بالجيش. وهناك العديد من المدنيين وموظفي الحكومة السنيين. وإذا تمرد كافة الموالين للسنة، فمن غير المرجّح أن يبقى الرئيس بشار الأسد في سدة الحكم.

موالٍ مخلص

نشأ أبو المجد في اليرموك، وهو معسكر اللاجئين الفلسطينيين الواقع جنوبي دمشق حيث يعيش العديد من السوريين أيضاً. وبعد اندلاع الثورة بفترة قصيرة وبدء الاحتجاجات السياسية والحملات الأمنية عام 2011، فقدت أسرته منزلها بسبب الاشتباكات وانتقلت من حي إلى آخر.

كان موالياً مخلصاً – وكان والده ضابط جيش متقاعداً – ولكنه لم يكن ينشر الصور والأعلام السورية وصور الثوار بعد مقتلهم وتعهدات الولاء للرئيس الأسد على صفحته على فيسبوك. وكان في الأغلب ينشر صور أصدقائه وأبناء إخوته.

انضم أبو المجد إلى وحدة الشرطة النظامية قبل عام من اندلاع الثورة في سوريا وكان يطارد تجار المخدرات والعاهرات. ولكن حين بدأت الحرب تمثل ضغطاً هائلاً على الجيش، تم إرسال العديد من وحدات الشرطة إلى الجبهة. وأرسل أبو المجد إلى نقاط التفتيش بالخطوط الأمامية وكان دوره يتمثل في البحث عن أنشطة التمرد شرق مدينة حمص في وسط البلاد، بالقرب من تدمر.

ومع ندرة المؤن وانهيار قيمة الليرة السورية، كان يمزح قائلاً أن راتبه الذي لا يتجاوز 100 دولار شهرياً لا يكفي لشراء تبغه المفضل بنكهة التفاح. وكان يحب إحدى بنات عمه سراً ولكنه يشعر الآن أنه لا يستطيع الزواج منها مطلقاً.

وكتب في سبتمبر/ أيلول: “أرجوكم حدثوني عن آخر الأنباء. ليس لدينا تلفزيون أو كهرباء هنا. إنني أعيش في المنفى. وأنا ميت بالفعل”.

وحينما حصل أبو المجد على إجازة، عاد إلى موطنه في دمشق. وكان يشعر بالغيرة من القوات العاملة بالعاصمة وأفرادها الذين يستطيعون تناول المشروبات والخروج مع النساء والاستمتاع بالكهرباء؛ وقال ذات يوم: “كما لو كانوا يعيشون في أوروبا”.

وذكر أن عزاءه الوحيد كان في الاستماع إلى موسيقى المطرب اللبناني وائل كفوري وكانت إحدى أغنياته المفضلة هي “أتمنى لو أستطيع أن أهديك هدية بحجم قلبي”.

وأخبرنا ذات مرة أنه حَلُمَ بأن تنظيم داعش قد ألقى القبض عليه. وسرعان ما هاجم التنظيم نقاط التفتيش الأمنية بحقل شاعر النفطي وقتل العديد من أصدقائه. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، كتب أنه يتواجد في نقطة تفتيش باردة ومطيرة ويحاصره الجهاديون وينتظر التعزيزات منذ 5 أيام.

وسأل: “لو لقيت حتفي، هل ستقولون بارك الله في روحه؟”

وروى إحدى الذكريات التي تنتابه منذ عام 2012، فقد كان يتحدث بالهاتف مع أحد أصدقائه الذي تعرض موقعه القتالي للاجتياح من قبل المعارضة في ذلك الحين.

ويتذكر أبو المجد قائلاً: “كان بإمكاني الشعور بالطرقات على بابه. هل تعرفون ذلك الشعور حينما يلقى شخص تحبونه مصرعه خلال دقائق ولا يمكنكم فعل شيء؟”
وشكا من حصول مليشيات حزب الله اللبنانية الموالية للحكومة على راتب أكبر مما يحصل عليه السوريون؛ ومن أن تلك القوات الموجودة بنقاط التفتيش نحو الغرب تغرق في الرشاوي بينما “نحن لا نجد ما نتناوله غير الهواء”.

وفر لنا أبو المجد – الذي نستخدم لقبه فقط ولا ننشر صورته لحماية عائلته – معلومات حول حياة المقاتلين التابعين للحكومة السورية. فهو ينتمي إلى فئة مهمة: الموالون السنة. وتسيطر الأغلبية السنية الكبرى في سوريا على التمرد وعلى قاعدة المجندين بالجيش. وهناك العديد من المدنيين وموظفي الحكومة السنيين. وإذا تمرد كافة الموالين للسنة، فمن غير المرجّح أن يبقى الرئيس بشار الأسد في سدة الحكم.

موالٍ مخلص

نشأ أبو المجد في اليرموك، وهو معسكر اللاجئين الفلسطينيين الواقع جنوبي دمشق حيث يعيش العديد من السوريين أيضاً. وبعد اندلاع الثورة بفترة قصيرة وبدء الاحتجاجات السياسية والحملات الأمنية عام 2011، فقدت أسرته منزلها بسبب الاشتباكات وانتقلت من حي إلى آخر.

كان موالياً مخلصاً – وكان والده ضابط جيش متقاعداً – ولكنه لم يكن ينشر الصور والأعلام السورية وصور الثوار بعد مقتلهم وتعهدات الولاء للرئيس الأسد على صفحته على فيسبوك. وكان في الأغلب ينشر صور أصدقائه وأبناء إخوته.

انضم أبو المجد إلى وحدة الشرطة النظامية قبل عام من اندلاع الثورة في سوريا وكان يطارد تجار المخدرات والعاهرات. ولكن حين بدأت الحرب تمثل ضغطاً هائلاً على الجيش، تم إرسال العديد من وحدات الشرطة إلى الجبهة. وأرسل أبو المجد إلى نقاط التفتيش بالخطوط الأمامية وكان دوره يتمثل في البحث عن أنشطة التمرد شرق مدينة حمص في وسط البلاد، بالقرب من تدمر.

ومع ندرة المؤن وانهيار قيمة الليرة السورية، كان يمزح قائلاً أن راتبه الذي لا يتجاوز 100 دولار شهرياً لا يكفي لشراء تبغه المفضل بنكهة التفاح. وكان يحب إحدى بنات عمه سراً ولكنه يشعر الآن أنه لا يستطيع الزواج منها مطلقاً.

وكتب في سبتمبر/ أيلول: “أرجوكم حدثوني عن آخر الأنباء. ليس لدينا تلفزيون أو كهرباء هنا. إنني أعيش في المنفى. وأنا ميت بالفعل”.

وحينما حصل أبو المجد على إجازة، عاد إلى موطنه في دمشق. وكان يشعر بالغيرة من القوات العاملة بالعاصمة وأفرادها الذين يستطيعون تناول المشروبات والخروج مع النساء والاستمتاع بالكهرباء؛ وقال ذات يوم: “كما لو كانوا يعيشون في أوروبا”.

وذكر أن عزاءه الوحيد كان في الاستماع إلى موسيقى المطرب اللبناني وائل كفوري وكانت إحدى أغنياته المفضلة هي “أتمنى لو أستطيع أن أهديك هدية بحجم قلبي”.

وأخبرنا ذات مرة أنه حَلُمَ بأن تنظيم داعش قد ألقى القبض عليه. وسرعان ما هاجم التنظيم نقاط التفتيش الأمنية بحقل شاعر النفطي وقتل العديد من أصدقائه. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، كتب أنه يتواجد في نقطة تفتيش باردة ومطيرة ويحاصره الجهاديون وينتظر التعزيزات منذ 5 أيام.

وسأل: “لو لقيت حتفي، هل ستقولون بارك الله في روحه؟”

وروى إحدى الذكريات التي تنتابه منذ عام 2012، فقد كان يتحدث بالهاتف مع أحد أصدقائه الذي تعرض موقعه القتالي للاجتياح من قبل المعارضة في ذلك الحين.

ويتذكر أبو المجد قائلاً: “كان بإمكاني الشعور بالطرقات على بابه. هل تعرفون ذلك الشعور حينما يلقى شخص تحبونه مصرعه خلال دقائق ولا يمكنكم فعل شيء؟”
وشكا من حصول مليشيات حزب الله اللبنانية الموالية للحكومة على راتب أكبر مما يحصل عليه السوريون؛ ومن أن تلك القوات الموجودة بنقاط التفتيش نحو الغرب تغرق في الرشاوي بينما “نحن لا نجد ما نتناوله غير الهواء”.

“أنا أنتحر”
o-5-570
كان أبو المجد في إجازة بدمشق حين وصل الجهاديون إلى مشارف تدمر. حاولت أمه أن تبقيه هناك عن طريق إخفاء هويته. ناقشَ طلب نقله، مختبراً صدق الإعلان الرئاسي الصادر قبل شهور قليلة والذي أعطى الرجال الحق في الخدمة قريباً من منازلهم.

“لستُ جباناً ولكني إنسان يشعر بالخوف أحياناً”، قال كما لو كان يبحث عن موافقة، ثم أضاف قائلاً: “هل أنا على حق؟”

لكنه في اليوم التالي قرر العودة للخدمة، وما لبث أن علم أن وحدته ستُرسل إلى تدمر، وأن قادة وحدته قالوا أنهم سيبلغون عن كل من يتغيّب.

قال أبو المجد: “إنني مقبل على الانتحار، فأنا أمشي على قدمي نحو حتفي، لكن ليس في وسعي القيام بأي شيء. لا تسلني متى أغادر فأنا أكره هذا السؤال. أتمنى ألا أستفيق غداً.”

رسائله كانت تنبض بالقلق

في 16 مايو/ أيار، شارك بوستاً على فيسبوك عن صديق له يقول فيه: “يا ربي، يا وطني، أبطالك في القبور ولصوصك في القصور”.

في 17 مايو/ أيار وصل حمص وقصد عرافة، فقالت له أنها تراه ينتقل إلى مكان جميل به “خضرة وتحفه الأشجار من كل جانب.” لعلها الجنة؟

في 18 مايو/ أيار، تأجيل في المواعيد، فالألغام على الطريق إلى تدمر أجبرت الباص على العودة والتراجع.

وفي 19 مايو/ أيار أرسل صوره الأخيرة.

بعدها: لا شيء

لقد تعقبنا معارك كثيرة، لكن تدمر كانت مختلفة، فهي مدينة تتردد في أرجائها أصداء ماضي سوريا التاريخي والأثري العظيم، وكنا قد زرناها قبل فترة وجيزة وتعرفنا على علماء الآثار وناشطي معارضة الحكومة وشيوخ القبائل وأصحاب المقاهي ورجال الأمن، حتى أننا تعرفنا عل مقاتل في جيش تنظيم الدولة الإسلامية. جميعهم نقلوا لنا صورة واقعية من قلب الحدث عما يجري في مدينة تسقط.

أقدم تنظيم داعش على إعدام موظفي الدولة في الشوارع ورمى الجنود بالرصاص في المسرح الروماني المفتوح التاريخي، ثم وزع الخبز على السكان. أما مقاتلات الدولة فألقت بالقنابل لأن مسؤولي الحكومة أعلنوا –خطأ- أن جميع المدنيين غادروا المدينة، في حين اختبأ الناشطون المعارضون لكل من الأسد وتنظيم داعش في مكان ما.

أطلعنا موظف استخبارات شاب في تدمر على صورٍ له التقطها داخل مروحية محملة بالبراميل المتفجرة التي تُلقى على أحياء المعارضة، وأخبرنا أنه هرب ولا شيء معه سوى مسدسه. كما تحدث إلينا ضابط شرطة آخر معروف بتعذيبه للمشتبه بهم، واصفاً لنا كيف سار يوماً ونصف عبر الصحراء حتى وصل بر الأمان، وكيف أنه قبل هروبه شاهد أبا المجد في المطار العسكري مصاباً بساقه وكتفه.

o-6-570
كانت آخر حالة على الشبكات الاجتماعية نشرها أبو المجد “أنا في تدمر” لا تتغير، يليها وجه عابس، ثم عبارة: “أيها الغالون على قلبي، لا تحزنوا علي، فإنا لله وإنا إليه راجعون.”

ثم في 23 يوليو/تموز، سمعنا من عائلة أبي المجد أنه اختفى رسمياً وأنه لا طائل من تقصّي أخباره من مسؤولي الأمن؛ “إنهم كلاب” صاح أحد أقربائه، ثم فتحت العائلة منزلها أمام الزوار وتلقت التعازي حداداً عليه، على اعتبار أنه توفي.
أردنا معرفة المزيد.

كيف انتهى الأمر؟

في الأشهر التي تلت، اتصلنا بشرطيين كانا على تواصل حتى النهاية مع أبي المجد و3 من سكان تدمر الذين شهدوا نهايته. قارننا معلوماتنا بمعلومات أقربائه، وتوصلنا لهذه النتيجة.

في 19 مايو/ أيار، استقل 60 ضابطاً وجندياً باصات غير مسلحة إلى تدمر مرتدين سترات واقية من نيران المدفعية وقصف الطيران لكن من دون أسلحة. كان أبو المجد خائفاً من الذهاب، غير أنه خشي العقوبة التي قد يواجهها في ذلك البلد الذي يزج بالناس فيه في السجن ثم يختفون ببساطة.

ويتذكر أحد زملائه من الضباط: “كان يردد مراراً على الباص “سنموت سنموت!” فقلت له أن يتذرع بحجة أمام سائق الباص كأنه ذاهب لشراء التبغ ثم يطلق ساقيه للريح، لكنه لم يستمع إلي.”

ثم أنزل الباص الرجال في المطار العسكري خارج تدمر، وهو المكان الذي هوجم تلك الليلة. قتل الكثيرون بينما لاذ البعض بالفرار، أما أبو المجد فاختبأ في منزل عائلة يعرفها.

كتب أبو المجد في 14 مايو/أيار 2015 “ليتني لم أكن جندياً، بل مدنياً أعيش حياة آمنة، متزوجاً ممن أحب في مكان لا حرب فيه ولا خوف، ثم اقتبس سطراً عن نزار قباني: “أحبيني .. بعيدا عن بلاد القهر والكبت…بعيداً عن مدينتنا التي شبعت من الموت..” مضيفاً: “لقد صدق.” من بعدها بأيام صمت أبو المجد وانقطع حسه.

كان يتصل بدمشق كل يوم من خط هاتفي أرضي، يتحدث بصوت خفيض راجياً أصدقاءه إرسال سيارة. كان أبوه ينصحه بعدم الاستسلام، أما عمه فينصحه بقراءة القرآن.

لكن تنظيم داعش كان يهدد بقتل كل من يخبئ عسكرياً من الجيش النظامي، وبعد 8 أيام شعر أبو المجد أنه ما عاد بإمكانه المكوث وتعريض حياة مضيفيه للخطر، فنزل إلى الشارع برداء مستعار وبنطال واسع في محاولة لأن يبدو من السكان المحليين.

لا بد أنه مشى في نفس الشوارع التي رافقنا فيها قبل عام، على رصيفها من الجانبين محلات الهواتف الخلوية والأفران. ظل يدور ماشياً حتى حان وقت الآذان. يفرض تنظيم داعش على جميع الرجال حضور الصلاة، فدخل أبو المجد مسجداً، وفي داخله اقترب مقاتلٌ منه سائلاً إياه إن كان من رجال الشرطة.

ويذكر أحد مواطني تدمر كان حاضراً: “قال مجيباً “نعم أنا هنا وأصلي ولم أفعل شيئاً” فأجابه المقاتل “والآن تذكّرت أن تتوب؟”

خارج الشارع أعلن المسلحون اعتقاله واسمه الكامل.

وأخبرتنا امرأة لاحقاً: “رأيت 10 من مقاتلي داعش، أحدهم يحمل سيفاً، وأعدموه أمام عيني.”

وقال 3 شهود إن جسده ظل مرمياً في الشارع عدة أيام. والشهر الماضي قال أفراد العائلة إن مسؤولي الأمن أخبروهم أن لديهم مقطع فيديو يصور الإعدام غير أنهم لم يطلعوهم عليه.

وقال أحد الأقرباء “اللوم على الحكومة، ماذا بوسع 200 جندي أن يفعلوا أمام 2000 من داعش؟ لا مشكلة لدي مع الموت، لكن مشكلتي مع الطريقة التي مات بها.”

وبينما كنا نبحث ونستقصي في مقتل أبي المجد بدأ تنظيم داعش بتدمير آثار تدمر، وفي أغسطس/آب 2015، دمروا أهم آثار المكان التاريخية – معبد بعل.

إنه المكان الذي نتذكر فيه أبا المجد. في صورنا، تلتمع الحجارة كأنها من ذهب، بينما يبتسم هو ويلعب على الحجارة.

هافنغتون بوست عربي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى