رحلة إلى روبرت أوبنهايمر / قصة قصيرة

سأله: «هل ممكن أن نوقف أحداثا وقعت في الماضي بالفعل؟!»
أجابه: «نعم، كل شيء جائز، دعنا نرَ.»
إمضاء: إبراهيم أمين مؤمن/ روائي خيال علمي

#رحلة إلى #روبرت_أوبنهايمر
#قصة_قصيرة

العالم في عام 2035
وانطلقت المركبة من منصة الإطلاق بجزيرة ميريت متجهةً نحو كوكب عطارد، فلما وصل برنارد أخرج عدسات أينشتاين ليتمكن من تحديد
انحراف الزمكان (الزمان والمكان، ويسمى أيضا الانحراف بالتشوه) الموجود بالقرب من الكوكب، ويحدد أيضا مكان الثقب الدودي المتمركز في الثقب الأسود. فصعق مما رأى، رغم أنه رأى مثل هذه التشوهات من قبل كثيرا جدا.
رأى الثقب وكأنه جحيم لا أول له ولا نهاية، كتلة مظلمة من الداخل، وحوله زفيره الذي يحوطه من كل جانب وسرعان ما يدخل مرة أخرى تحت تأثير جاذبيته.
قال في هلع: يخرج ما في جوفه، فإذا كان قوة دفع زفيره أعلى من سرعة الضوء تمكنت الإشعاعات من الهروب، وإلا فمصيرها القرار في أمعائه.
أنزل العدسة وقال وهو يهز رأسه: الأشياء ترقص عند أفق حدثه رقصة الموت الأخيرة، تبا له من بيت عنكبوت بالغ الضخامة.
رفع عدسة أينشتاين مرة أخرى وقال: الآن لنرى الثقب الدودي.
فلما أمعن النظر مكنته العدسة من رؤية الثقب الدودي، فدهش قائلا: ويل هذا الدودي من هذا الجحيم، لا يدعه يتنفس مطلقا، ما إن ينفتح إلا وضغطته الجاذبية فانغلق مرة أخرى، وإن لم تدركني رحمة ربي أثناء دخول هذا الثقب الدودي فسوف أسحق، سوف تتفتت ذراتي، لكن لا بد مما ليس منه بد، فإن لم أدرك العالم فسوف يفنى في حرب ثرمونووية.
وأمسك برنارد بآلة الزمن حتى تخبر بيانات الآلة الحاسوبَ فيحدد موعد وغلق الثقب بالضبط، بجزء من الفيمتو ثانية.
***

رحلة الذهاب

مقالات ذات صلة

بعد أن حدد الحاسوب موعد غلق الثقب الدودي وفتحه شغّل محرك صاروخ عادي لتسيير السفينة، فلما اقتربتْ من أفق الحدث، قام الحاسوب بتشغيل محرك ألكوبير الذي يسبق سرعة الضوء تزامناً مع فتح الثقب قبل دق عنقه؛ إذ إنه من المستحيل الاقتراب من أفق الحدث والإفلات من الثقب الأسود إلا بمحرك يسبق سرعة الضوء.
قال الحاسوب: «البسْ بدلة السبات يا برنارد حتى يستطيع جسدك تحمل الجاذبية عند منطقة التشوه.»
قال برنارد في غضب: «تريد أن تقتلني يا هارب (اسم الحاسوب).»
قال هارب: «لابد أن يتجمد الزمن ويتوقف قلبك لجزء من الثانية حتى لا تموت موتا نهائيا.»
قال برنارد مداعبا: «لو مت في حالة السبات ولم أعد سوف أقتلك أيها الأحمق.»
قال هارب: «موافق، والآن دعنا نعبر ونريا ماذا تسجل آلة الزمن لنا.»
واجتاز محرك ألكوبير الثقب الدودي في الموعد الذي حدده هارب بينما برنارد في حالة سبات، وبدأت آلة الزمن تسجل الأحداث، بينما يسجل هارب أصوات الجحيم.
فلما كانا على أول جسر أينشتاين سجل هارب أصواتا مرعبة، شدتها أكبر من أي شدة بركان انفجر في الأرض، فقد كان أقوى بركان من نصيب بركان كراكاتوا عام 1883 حيث كانت شدته 310 ديسبل، بينما سجل هارب الصوت الناجم عن السحق داخل الثقب ب 550 ديسبل. أما آلة الزمن فقد استقرأت الأحداث على طول فترة الزمن الفائت عبر محطات مختلفة من جسر أينشتاين. وقد قرأها هارب ودونها في حاسوبه، فلما تم العبور أيقظ برنارد من السبات.
***
قال هارب: «لقد نجح العبور، وبحاسوبي كل الأحداث، أهلا بك مجددا نحن في عام 1945، وروبرت أوبنهايمر الآن لا يزال في مختبر لوس ألاموس، يصنع القنبلة.»
قال برنارد في شوق: «أرني ماذا دونت الآلة عليك اللعنة أنت ومن صممك.»
ومرر هارب الأحداث من خلال شاشة بيان في جبهته، وأخذ يهمس برنارد بقراءتها قراءة عد تنازلي:
2035: حرب ثرمونووية محتملة جراء التصعيد.
2034: تصاعد الأزمة الأوروبية – الآسيوية بسبب تسبب آسيا في انهيار البنوك الأوروبية – الأميركية.
2033: منظمة الأمم المتحدة تغلق أبوابها.
2032: بريطانيا وأميركا وإسرائيل وحلفاؤها يحتلون معظم الأراضي العربية.
2030: انهيار البنك البريطاني (HSBC) وجي بي مورغان الأميركي.
2018: هجوم تركي على الأكراد بسوريا.
2017: البنوك الصينية تلتهم البنوك الأوروبية.
2011: ثورات الربيع العربي.
2003: الاحتلال الأميركي للعراق.
2001: بداية الغزو الأميركي لأفغانستان.
1990: الغزو العراقي للكويت.
1980: حرب الخليج الأولى.
1967: العدوان الثلاثي على مصر.
1955: البرنامج النووي الصيني.
1952: تفجير أول قنبلة ذرية بريطانية.
1949: قنبلة اختبار السلاح النووي الأولى للاتحاد السوفييتي.
1948: احتلال إسرائيل لفلسطين.
1945: مشروع مانهاتن، مختبر لوس ألاموس الوطني بأميركا.
ولما انتهى قال: «أحمد الرب أن الآلة توقفت عند هذه اللحظة، فلو مضت بضعة شهور أخرى لألقت أمريكا قنبلتي هيروشيما ونجازاكي على اليابان.»
سكت ثم سأل هارب: «في أي شهر نحن الآن يا هارب؟»
قال هارب في مكر: «أعرف سبب سؤالك، اطمئن فلم تخرج القنبلة الذرية من المختبر بعد.»
قال برنارد: «إذن هيا نقابل روبرت قبل أن ينهي مشروعه ويسلم القنبلة إلى الجيش الأمريكي، هيا.»
فلمّا هم بالمضي بالمركبة قال هارب: «لا يمكن خروجنا من عتبة جسر أينشتاين إلا بعد تغليف المركبة؟»
فنظر إليه برنارد حانقا ولم ينبس بكلمة.
قال هارب: «حرصك على بقاء العالم ينسيك دائما ما يجب أن تفعله.»
ضرب برنارد جبهته بأنامل يده وقال: «آه، حرصي كان سوف يتسبب في قتلي.»
وما لبث أن ضغط برنارد على زر فغلفت المركبة بمجال مغناطيسي قوي.(يحميه من الاندماج مع مادة الكون المضاد الذي سيحلان به، فالمعلوم عند التقاء المادة والمادة المضادة يفنيا معا مولدين طاقة جبارة).
قال له هارب وهما في طريقهما إلى مختبر لوس ألاموس: «سوف تتمكن من محاورته، فصوتك سوف يكون صدى لصوته، وكذلك صوته سوف يكون صدى لصوتك.»
قال برنارد: «أعلمُ أيها المعتوه.»
استدرك هارب: «برنارد معك 25 دقيقة حسب قراءتي، فالمجال المغناطيسي لن يتحمل أكثر من ذلك، بعدها ستنفجر القارورة إثْر تفاعلها مع المادة المضادة، كما أننا سنصطدم بالمجال المغناطيسي الداخلي وننفجر، فقوة تحمل القارورة من الداخل والخارج 25 دقيقة.»
نظر إليه مستاء وقال: «تكفيني ال 25 دقيقة، المهم أن يقتنع أوبنهايمر ولا يصنع القنبلة.»
***

تركا المركبة ونزلا بمركبة هبوط -داخل قارورة مغناطيسية لمنع الانفجار- إلى الأرض المضادة فوق سطح مختبر لوس ألاموس الوطني بأميركا، نظر من القارورة إليه وكلمه في بُعد خامس وهو الجاذبية، فقد كان برنارد يراه وفريقه في خمسة أبعاد يعد هو وفريقه تجهيزات مشروعهم، مشروع مانهاتن، فكلمه.
ناداه برنارد وهو ينظر إلى روبرت أوبنهايمر بحرص بالغ وقد اتسعت عيناه على مصراعيها: «روبرت، روبرت.»
فانتبه له روبرت وكأنه في حالة غفوة.
قال برنارد: «انتبه إليّ يا روبرت، أنت لم تكن نائما، أنا برنارد نوبل، جئتك من المستقبل البعيد، أنا أعلمُ رجل في التاريخ في الفيزياء النظرية بإجماع العلماء.»
رد عليه روبرت بقوله: «لم أسمع بك، لكن ماذا تريد يا برنارد؟»
أجابه والدموع المحدقة منذ لحظات باتت تدمعان: «العالم سيحترق بسببك، إلغ المشروع حتى لا تُضرب اليابان، إلغ المشروع لأن العالم الآن في 2035 على وشك الإبادة بسبب هذا المشروع.»
قال روبرت له: «رحماك يا رب، أي شيطان هذا الذي يوسوس في أذني!»
قال برنارد: «يا روبرت، اسمعني، أنا لم أكن شيطانا، أقلع عن هذا المشروع، سوف يهدد العالم بالدمار على الدوام. دعهم يحاربون بعضهم بعضا بالأسلحة التقليدية ولا تفتح على هذا العالم أبواب جهنم.»
قال روبرت: «أيها الشيطان برنارد، هب أني صدقتك، فقد أخذت وعدا من الرئيس الأمريكي بألا يستخدم السلاح النووي، يتخذه رادعا فحسب
لإنهاء الحرب العالمية الثانية الدائرة الآن بين قوات الحلفاء، ودول المحور.»
قال برنارد في ثقة: «كذبك الرئيس، وكذبك كل من قال لك ذلك، وسوف تتأكد من ذلك بعد إلقاء القنبلتين على ناجازاكي وهيروشيما إن لم توقف هذا المشروع اللعين، وإن كنتَ تصدقني فأقول لك إن العالم معرض للفناء بسبب قنبلتك ونحن في عام 2035.»
بدأ روبرت يهز رأسه يمنة ويسرة بقوة كأنه يريد أن يبعث في نفسه اليقظة، أو يزيح عن نفسه وساوس الشيطان، بعدها قال: «اسمع يا برنارد، أنا ماضٍ في مشروعي من أجل إيقاف تلك الحرب المدمرة، فعندما تعلم دول المحور بحيازتنا لذلك السلاح سوف ترتدع عن غيها وتسلم لنا، نحن الدولة العظمى.»
قال برنارد في غيظ: «تلك الدولة هي دولتي أنا الآخر، وهي من أرسلتني إليك لنغير مجرى التاريخ من أجل ألا تحدث حرب الفناء ونحن على أعاب عام 2035.»

  • «غير مقتنع بما تقول.»
    سكت برنارد لحظة يتدبر وهو يزفر، ثم أمسك بصحيفة في القارورة وألقاها، فور أن خرجت أحدثت شرارة واختفت.
    قال هارب: «يا سيدي، أي مادة سوف تخرج من القارورة سوف تفنى، أخبره وأنجز حتى لا تنفجر القارورة، فقد مرّ نصف الوقت ولم تنجز شيئا مع هذا الجبار الأبله.»
    قال برنارد: «حسنا يا هارب سوف أخبره ما بداخل الصحيفة.»
    ثم وجه كلامه لروبرت وقال: «اسمع يا روبرت، سوف أخبرك في عجالة سريعة عن الأحداث الدائرة الآن في عام 2035.»
    وتكلم برنارد على الفور بعد أن أخذ نفسا عميقا وقال: «عنوان: البنوك الصينية تواصل التهامها للنقد الأوروبي، عنوان: بدء تحرّك الحشود العسكرية المتمركزة على جانبي المحيط الأطلسي والهادي والهندي، 120 غواصة نووية و500 صاروخاً باليستياً و7 حاملات تعمل بالوقود النووي بالإضافة للقطع البحرية لدول الناتو تتجه لضرب الصين وروسيا، عنوان: “التاريخ يعيد نفسه في الحرب العالمية الثالثة 2035 وتجد داخل المقال يا روبرت: “الوطن العربي المستَعمَر غربياً يشارك في هذه الحرب العالمية الثالثة أملاً في الاستقلال من مستعمريه الغربيين”، “العرب المستعمَر إثْر الأزمة الاقتصادية التي ضربتْ أوروبا وإفلاس النقد البريطاني والأميركي ينضمون لقوى التحالف الغربية لضرب الآسيويين”، عنوان: التحالف الروسي الصيني الآسيوي يتحرك بأساطيله لمواجهة أساطيل حلف الناتو.
    عنوان: الحرب الثرمونووية تدق الأبواب، داخل المقال “تحذير: تلك الحرب النووية حرب عالمية ثالثة تبيد العالم، حرب ليس فيها ظافر، الكل مهزومون”، عنوان: الشعوب بدأت في حفر الأنفاق العميقة أملاً في النجاة من تأثيرات الحرب النووية.»
    سكت برنارد يستبقي نفسه بعد ذكر تلك العناوين التي قرأها من الصحيفة في تواصل مستمر، ثم قال: «والآن، ماذا أنت فاعل بعد أن فتحت الباب لامتلاك العديد من الدول المناوئة لدولتي لذلك السلاح الفتاك؟»
    قال روبرت: «أنا لم أسمع عن ذلك، أنت تهذي يا رجل.»
    قال برنارد غاضبا: «العالم يمر بأزمة اقتصادية طاحنة بسببك أيها الأبله الجبار، سقطت الرأسمالية البريطانية، أعلن بنك HSBC الإفلاس، أعلن وول ستريت الإفلاس، أعلن وجي بي مورغان الأميركي الإفلاس، الصين قامتْ بتعويم “اليوان” وربطته بالدولار الأميركي فضربتْ الاقتصاد الأميركي والبريطاني، بريطانيا وأميركا استعمرتا دول الشرق لمحاولة ضرب الصين والروس وحلفائها، ألمانيا انضمت لآسيا فهي لم تنسَ ثأرها.»
    وبدأ العد التنازلي لانتهاء المدة، ولا يزال برنارد يكلمه حتى سحبه هارب على آخر ثانية وانطلق بالقارورة متوجها نحو محرك ألكوبير لعبور الثقب الأسود مجددا من الجهة الخلفية.
    لم يتمالك برنارد دموعه فقد أخذت تنهمر منه كالطفل.

  • *** رحلة العودة

واجتاز جسر أينشتاين من خلال محرك ألكوبير مرة أخرى ولكن من الجهة المقابلة، وسجلت آلة الزمن هذه المرة الأحداث تصاعديا، أي من الماضي إلى الحاضر.
1945: القنبلة الذرية على اليابان.
1948: احتلال إسرائيل لفلسطين.
وظلت الآلة تسجل نفس الأحداث السابقة التي سجلت بصورة تنازلية حتى وصلت الآلة إلى عام 2035: حرب ثرمونووية محتملة جراء التصعيد.
وفور أن عبر التشوه الموجود في كوكب عطارد وصل المجموعة الشمسية بأمان، ومن ثم وصل المحرك إلى جزيرة ميريت في لمح البصر.

كان بانتظاره الرئيس الأمريكي، فلما سمع منه تأسف الرئيس أسفا شديدا بسبب رفض روبرت أوبنهايمر طلبه وعزمه على المضي قدما لصنع القنبلة.
قال الرئيس حينها: «باب جهنم انفتح على مصراعيه للعالم ومن الصعب إغلاقه، يبدو أن العالم سوف يفنى بسبب غطرسة القوى العظمى.»
وسكت يزفر زفرات توجع وقال: «ونحن أولهم للأسف، تبا لتلك الأسلحة الملعونة.»
***

التفسير العلمي للرحلة

جلس برنارد يخاطب هارب حول تلك الرحلة، فأخبره هارب بملابساتها العلمية.
قال برنارد: «أخبرني يا هارب، هل كان روبرت حيا بالفعل؟»
أجابه: «كان حيا عندما كنتَ أنت تحت تأثير معادلة أينشتاين للجاذبية، والآن فهو ميت.»
قال برنارد دهشا: «كيف ذلك بالله عليك؟!»
أجابه هارب: «سيدي أنت تعلم ذلك لكنك تحاول أن تجحده لهول ما رأينا، نعم سيدي، ما دمنا تمكنا من كسر سرعة الضوء نستطيع حينها أن نقابل أناسا ماتوا في حاضرنا، ألم تسر عقارب الساعة بالعكس، أليس هذا هو الرجوع إلى الوراء؟»
هزّ برنارد رأسه وتكلم بعلمه: «ونحن داخل فقاعة الالتواء (محرك ألكوبير) حدثتْ تشوهات كبيرة للزمكان خارج الفقاعة وانضغط المكان أمامها، كانتْ كتلة السفينة كمركز ثقل الأرض والزمن بداخلها ظل ينكمش حتى دارتْ العقارب بالعكس لأننا تخطّينا سرعة الضوء، ورغم الانضغاط لم نمتْ لأننا صرنا كالريح، مثل الملائكة أو الشياطين وتمدد المكان ورأينا ولامسنا المكان أمامنا نتيجة التشوه الزمكاني بسبب سرعتنا.»
***

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • مراجع القصة:
  • النظرية النسبية العامة لأينشتاين.
  • المادة والمادة المضادة.
  • الأكوان المتوازية.
  • أسرع من الضوء.
  • السفن النجمية.
  • الثقوب السوداء والدودية.
  • السفر عبر الزمان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى