رباعي الفشل

رباعي الفشل

المهندس: عبد الكريم أبو زنيمة
#الفشل الذي نعيشه اليوم في كافة #المجالات هو النتيجة الحتمية لغياب المساءلة والمحاسبة عبر عقود من زمن الحكم الفردي وانتهاج سياسة التبعية وتدمير الانتاج الوطني والانصياع للتعليمات والاملاءات الخارجية في ظل غياب الديمقراطية والحياة السياسية والتداول السلمي للسلطة، أما هذه الديمقراطية التي نتغنى بها فهي مزيفة ومُستغلة للسلطة الحاكمة وباب من أبواب التسول، والأغرب أنه امام انعدام أي بارقة أمل في إنقاذ الدولة الأردنية في ظل هذه السياسات من المصير المظلم والمأساوي الذي نهوي إليه؛ لا زالت السلطة الحاكمة ماضية في غيها بل وعنجيتها بالاتكاء والاعتماد على القبضة الأمنية للهيمنة على كل مفاصل الدولة وشعبها، هذه الذهنية العرفية في نهج الإدارة العامة للدولة لم تفض إلّا إلى بروز وتشكيل مؤسسة الفساد التي عاثت وتعيث فساداً في الوطن جهاراً نهارا ليكون لُقمة سائغة للكيان الصهيوني ومخططاته من خلال هدم أركان ومقومات الدولة “موارد ، إنتاج ، هوية ، ثقافة ، انتماء ، تاريخ ، قيم سلوكية، تعليم…الخ “.

لقدم أسهم في الوصول إلى هذا الفشل أربعة أطراف:
الطرف الاول يتمثل بالحكومات: #حكومات رضيت لنفسها أن تكون ذليلة خانعة منقادة خدمة لمصالحها على حساب الوطن كانت تتشكل بالمحاصصة والتوريث والتنفيع والمصالح ويمكن القول أنها كانت تؤمن بمصالحها وامتيازاتها وتنتمي لها أكثر مما تنتمي للوطن ! كيف كانت تخضع لإملاءات صناديق النقد والبنك الدولي وهي تعرف أن أهدافها وتوصياتها لا وطنية ! كانت تأتي وترحل بلا برامج إنمائية حقيقية، كانت تقدم برامج إنشائية أشبه ما تكون بالموشحات خالية من لغة الأرقام وأدوات ومعايير القياس والتقييم ، لم تحاسب ولم تساءل اية حكومة عما أنجزته بل لم تحاسب ولم يحاسب أحد اركانها عمّا نهب من الأموال العامة أو عمّا تسببت به من هدرٍ للمال العام وتفريط في سيادة الوطن، هذه الحكومات لم تملك اصلاً الولاية العامة لإدارة الدولة وانما كانت تنفذ ما تؤمر به سواء من الداخل أو الخارج، حكومات تفتقر للكفاءات والخبرات فلم تقدم اية خطط تنموية وطنية استراتيجية تنقذ الوطن من المصير المشؤوم، كل ما قامت به هو أكاذيب وتضليل ومشاريع وهمية بعشرات المليارات وإنجازات خرافية عبر وسائل الإعلام واسثمارات متطايرة، كل ما تم إنجازه هو تضخم كروش غالبية المسؤولين ومحيطهم و إفساد الجهاز الإداري وتقارير ديوان المحاسبة زاخرة بحجم الفساد! فقط هناك حكومة واحدة رفضت الوصاية والهيمنة عليها فاستقالت.
الطرف الثاني يتمثل بالمجالس النيابية: بعد المجلس الحادي عشر “1989-1993” أفرزت الحكومات مجالس نيابية مزورة لم تمثل إرادة الشعب الأردني وطموحاته، هذه المجالس سهّلت للحكومات تطبيق وصفات الوصاية ووصفات تدمير الإنتاج الوطني وبيع مقدراته وإغراق البلاد بالمديونية، بذات الوقت شرّعت التشريعات المطلوبة بحجج الاستثمار لتمليك أراضي الوطن للصهاينة والسماح لهم بعقد اتفاقيات استثمارية “استيطانية مستقبلاً” ، هذه المجالس منحت صكوك الغفران لكثير من كبار اللصوص الذين سرقوا الوطن ، كثير منهم رضوا لأنفسهم أن يكونوا الوجه الآخر للحكومات وخط دفاع عنها، غالبية من وطأت أقدامهم عتبة المجلس بالتزوير، أصبحوا اليوم ممن يشار إليهم بالبنان كأحد رموز الثراء بعد أن كانوا معدمين بالأمس ! لكن الثمن هو الوطن والمواطن ! فنائب (ألو) هو منفذ تعليمات وأوامر فقط !
الطرف الثالث يتمثل بالأحزاب السياسية العقائدية التي فشلت في التوحد فيما بينها أولاً ومن ثم تشكيل جبهة وطنية مع بقية الأحزاب وتبني برنامج عمل وطني يناهض سياسات الفشل والتجويع وقمع الحريات وإفشال الحياة السياسية وتزوير إرادة الشعب ، بقيت هذه الأحزاب أسيرة أيدلوجياتها التي لم تعد مفهومة لجيل الشباب الحالي الحالم بلقمة عيش، وأصبحت أسيرة خلافاتها ومنعزلة داخل مقراتها وصالوناتها بعيدة عن نبض الشارع وهمومه ومتطلباته حتى فقدت ثقة الشعب ولم تعد قادرة اليوم أن تكون في المقدمة ولا حتى في الوسط ، لقد أصبحت اليوم مراقبة للأحداث لا صانعة لها ، فمن كان ينادي بوحدة عمال العالم نراهم اليوم متفرقون ! ومن كان يحلم بأمة عربية واحدة نراهم اليوم متخاصمون ! ومن تبنى شعار أن الاسلام هو الحل أصبح اليوم هو المشكلة ! من المؤسف أنها “الأحزاب” أصبحت ريعية تنتظر الهبات الحكومية لتعتاش عليها وفقدت رصيدها الشعبي ، لقد تضاءل نضالها إلى مستوى إصدار بيان هنا أو ظهور إعلامي لأحدهم هناك ، الممارسة الديمقراطية والنقد والمراجعة أصبحت من التراث الحزبي ، أما الأمين العام فهو خالد مخلد حتى حافة قبره وبعيد عن الشبهات ، اليوم كثير من الأحزاب عاجزة عن تجميع 300 عضو داخل صفوفها ، أما الأحزاب الموسمية الانتخابية فهي ظواهر عابرة أساءت لسمعة الحياة السياسية وهي مصطنعة أمنياً لأهداف انتخابية .
الطرف الرابع هو الشعب نفسه، هذا الشعب لم يدافع عن سلطته ” الشعب مصدر السلطات” وفرط بحقوقه ، هذا الشعب الذي يراقب بلا مبالاة أمواله تهدر ووطنه يسلب ويباع وكرامته تهدر عند الحاويات ودوائه مفقود وأبناؤه على أرصفة الشوارع فريسةً لتجارة المخدرات والانحراف، وحرائره في السجون ، هذا الشعب أصابه انفصام في شخصيته يطبل ويسحج للقادم ويذم المغادر “بالوجه مراه وبالقفا مذراه” ، فارس في البيداء الخالية وجبان في المواجهة وقول الحق ، اليوم بات يلهث وراء حقوقه كمكرمات وهبات وأعطيات ومساعدات ويستجدي المعونات ، هذا الشعب “ضعاف النفوس” هو من يلهث خلف 20-50-100″ دينار يوم الانتخابات وفي اليوم التالي يهجوا النواب ! وفي اليوم الثالث يستقبلهم بالأحضان ! وفي الموسم الانتخابي القادم ينتظرهم على الأبواب ! اليوم نستطيع القول بكل ألم وحزن أن كبار البلد قد ماتوا ! أما الشيوخ فما أطول طوابيرهم في حفلات التسحيج !
نحن جميعاً مسؤولون عما آلت إليه أوضاعنا ، وهنا لا بد من التذكير بمقولة الإمام علي رضي الله عنه ” إن سكت الناس عن قول الحق… ظن أهل الباطل أنهم على حق ” ، غداً سنبكي جميعاً على وطن لم نحافظ عليه!

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى