[review]
في تمام الثالثة بعد منتصف الليل ، ألقى كتاب التشريح جانبا ، و أطفأ
الشمعتين وسارع إلىالسّرير الذي احتضنه بعد عدّة ساعات مضنية مع هذا
الكتاب ، حاول أن يسترق النّوم من عينيه ، أخذ يطلق بعض الشخير من فمه
و الصّفير من أنفه ، لعلّعينيه إن سمعتاه تصدّقانه أو ترثيان لحاله ، فتنغلقان
و لا تنفتحان ثانية إلا بعد ثلاثمئة و تسع سنين ، و لكن كلّ محاولاته باءت
بالفشل …
شريط ذكريات ذو شجون مرّ من أمام عينيه ، و النّوم بعد لم يزرهما ،
قرأ الفاتحة و آية الكرسي و المعوّذات لعلّ الشيطان يمضي عنه ، و لكن
دون جدوى .
مضت ساعة و تلتها أخرى ، و الوقت يقترب من السّابعة صباحا ،
موعد رنين المنبّه ، و عيناه كما لو نامتا دهرا لم تعودا تشتهيان النوم..
كان الطقس ليلتها باردا ، و رياحشماليّة يتسلّل صفيرها إلى أذنيه ،
فيعيدانه إلى الواقع كلّمايمّم صوبالنّوم ، فيغوص في بحر الهواجس ..
باب الغرفة يندفع رويدا رويدا إلى الدّاخل ، و ذبذبات صريره تسبقه
معلنة قدومه ، بعض الخوف يتسلّل إلى قلبه ، غطى وجهه باللحاف ،
صوت نبضاته يرتفع ، عيناه تنغلقان و تنفتحان بسرعة كراقصإفريقيّ ،
أنفاسه تلهث كلهب شمعة ،أصداء تتردّد فيداخله : الأشباح ، الأشباح..
إنّها لا محالة تلك الأشباح الّتي قرأ عنها في القصص ، و سمع عنها
في حواديث جدّته و هو صغير ، الأشباح الّتي تظهر بيضاء كتماثيل ثلجيّة ،
أو سوداء كالدّخان المتصاعد من ناقلة جنود ، الأشباح ذات الأصوات
المرعبة في المنازل المهجورة ، أشباح القتلى و الشهداء .
بشفاه مرتجفة نطق بالبسملة لعلّ الشبح القادم يتركه و يمضي ..
صرير الباب يزداد، و خوفبطل القصّة يمدّ جذوره ليشمل كلّ خليّة من
جسده ، أدخل أصابعه في أذنيه كي لا يسمع صرير الباب ، لكن الصّوت
صار يصدر من داخله …
قرأ الفاتحة على روحه الطاهرة النّقيّة ، فلم يتبقّ ما يفعله ، و نهايته
المأساويّة بانتظار الشبح كي يشمعها بالشمع الأحمر ، و كي يسدل السّتار
على آخر فصل من المسرحيّة المليئة بالمتاعب ..
مواء قطّة صغيرة لسع الجوع معدتها ، و أقضّ البرد مضجعها ،
جاءتتقاسمه الطّعامو الدّفء ،يعيد إليه سكينته ، ليكتشف أنّ
خوفه كان مجرّد خوف غير مبرّر .