خطة مارشال وسايكس بيكو لكن بصبغة عِرقية! / كمال الزغول

خطة مارشال وسايكس بيكو لكن بصبغة عِرقية!
المتمعن جيدا في السياسة الامريكية يرى بوضوح نية الولايات المتحدة التمسك بخارطة عرقية جديدة في المنطقة عوضا عن خارطة سايكس بيكوا التي مزقت القومية العربية ، فمنذ اشتعال الثورة السورية وهي تنتظر تموْضُع الأطراف المتقاتلة في سوريا ، فدعمت وقصفت في آن واحد ، قتلت وشجبت في آن واحد ، ارضت اطراف بقوة مثل ايران ومعاونيها وتراضت مع بعض الدول العربية بصيغة دبلوماسية هشة، وبنفس الوقت ها هي الآن تنتظر نتائج المعركة لتحسب حساباتها بنفس طويل جدا .
المعارك التي تدور في حلب ومحيطها يصعب التنبؤ بها لكثرة الفصائل والسياسات فمن جهة ، ايران “بلوائها ال 65” وحزب الله وعناصرة وقوات النظام والقوات الروسية، ومن جهة اخرى قوات الثوار والجيش الحر “وداعش” وقوات “صالح مسلم” الكردية فاللحظات العصيبة هذه التي تمر بها حلب تثبت للعالم انها ضحية خلافات عالمية نفطية وغازية وبحرية ، فامريكا لاتريد ان تعلن الطلاق لايران لكسب استراتيجي نفطها وجعلها حاجز سياسي بين شرق آسيا والشرق الاوسط ، وتريد ايضا البحر المتمثل في المتوسط الذي اغرق الشعوب باهميته ،وتفكر ايضا بهزيمة الفكر السياسي الاسلامي في تركيا وفي العالم العربي. لكن وجود ما يسمى ” الدولة الاسلامية” ايضا مهم بالنسبة لامريكا واسرائيل ولو مؤقتا حتى تتوضح الصورة في معارك حلب ويُحدد مصير دمشق ليتم تلوين خريطة المنطقة بشكل سليم!
سوريا في ظل نوايا اعدائها اصبحت تواجه مشروع تقسيم مبيّت و قد يتبادر الى الذهن سؤال : ما اهمية التقسيم طالما امريكا مسيطرة بدونة وتتحكم بنظام دمشق كيف شاءت ؟ الاجابة هنا ان كامب ديفيد حول الجولان مع اسرائيل ستحصل بأثر رجعي بدون توقيع كثمن لبقاء النظام غير الممانع . ولما بقاء ” داعش” اذا ؟ اقول هنا ان “داعش” قد تم عقد قرانها على “ثلاث أزواج” : امريكا ، ايران وتركيا والمأذون هي اسرائيل ، وكل منهم يستخدمها لهدف سياسي بحت ، فتركيا تريدها لانهاء الدولة الكردية المزعومة ، وامريكا تريدها كبعبع ضد الملف النووي الايراني المستقبلي لان نفسها طويل في السياسة وايضا تريدها ضد تركيا حليفتها في النيتو للضغط عليها ، وايران تريدها من اجل تشتيت الضغط على النظام السوري وحزب الله وابقاء العراق ساحة لها ، واسرائيل تريدها باقية كي تنهي شيء يسمى صراع عربي اسرائيلي باضعاف المحيط العربي .
فالسياسة هنا لا تكترث لمدن تحترق ولا لمدنيين يُقتلون ولا لحضارة تهدم ولكن يطبقون نظرياتهم السياسية حسب مصالحهم اللانسانية فعلى سبيل المثال امريكا ما زالت تتمسك بما يسمى “خطة مارشال” الامريكية القديمة والتي اقترحها الجنرال الامريكي جورج مارشال حيث كان يشغل منصب وزير خارجية أمريكا في ذلك الوقت والتي كانت تهدف الى ترميم ما دمر من اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية والتي تحولت بالفعل الى التزام امريكي تنفق فيه من ميزانيتها السنوية لمساعدة اوروبا وحمايتها من الاتحاد السوفيتي سابقا ومن توسع الاشترامية المكروهة غربيا ومن ثم تبني سياسة الاحتواء من جديد التي اقترحها الدبلوماسي جورج كنان على الرئيس الامريكي الاسبق ترومان بعد الحرب العالمية الثانية والتي طُبقت في مناطق التنافس بين روسيا وامريكا داخل مناطق الصراع في العالم. هذا الالتزام يتجدد اليوم حيث أسست امريكا قواعد عسكرية شمال العراق وقواعد عسكرية شمال سورية في ريف الحسكة ، هاتان المنطقتان ضمن المنطقة الزرقاء في معاهدة سايكس بيكو، بيدَ ان الهدف هنا ينحصر باللعب على الورقة العرقية لكسب ورقتين اساسيتين : اولا استخدام الاكراد ضد العرب والحركات الثورية وثانيا حماية اوروبا وايضا تهديد تركيا بهذه الورقة لاقامة دولة كردية تفصل الشرق الاوسط عن اوروبا وتنهي مصالح الروس باتجاه اوروبا وايضا لمصلحة دائمة داخل العراق .وفي النهاية وفي ظل هذه الافكار لا يوجد حل يرضي الجميع في سوريا ضمن هذا التناقض السياسي المبطن من قبل دول الاقليم والمجتمع الدولي لكن الله العلي القدير قادر على ان يعيد الحقوق الى اصحابها.
كمال الزغول
Alzghoul_kamal@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى