حكومة النسور منزعجة والمزاج الشعبي يطيح مفردة «إسرائيل»

سواليف
كتب بسام البدارين
المناورة الإعلامية التي انتهجها رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور الشهر الماضي ، عندما زار دائرة الإحصاءات العامة ووعد الأردنيين بإحصاء سكاني مفصل من دون أي «أغراض سياسية»، لم تفلح، في ما يبدو، في تحقيق أهدافها، بعدما تفاعل الشارع مع الإحصاء بتقنيات وخلفيات سياسية لها علاقة هذه المرة برفض مفردة «إسرائيل».
مرة أخرى يجبر الرأي العام والمزاج الشعبي الحكومة الأردنية على إقرار عدم اعتراف من أي نوع بإسرائيل على المستوى الشعبي العام. فقد بوغتت الحكومة بسلسلة طويلة من حملات مقاطعة الإحصاء السكاني ورفض التعاون مع الإحصائيين، على أساس استعمال مفردة «إسرائيل» في الحديث عن فلسطين التاريخية.
السلطات الإدارية سارعت لاتهام حملات المقاطعة هذه بإعاقة عمل علمي وممنهج. وعندما أخفقت الاتهامات، قدمت الحكومة تنازلها في صمت واضطرت لإجراء تعديلات سريعة على نصوص الإحصاء الاستفسارية تتناغم مع المزاج الشعبي العام الذي يرفض تداول مفردة إسرائيل ويعتبر أرض ما يسمى إسرائيل هي فلسطين، كما قال بيان صادر عن نقابة المعلمين.
معنى الكلام ان النشطاء – وتحديدا في حراك المعلمين – رصدوا محاولة دس اسم إسرائيل بأسئلة إحصاء يحاول تتبع مساقط رؤوس السكان في الأردن. والحكومة، بدورها، ارتبكت وقررت التعديل بعدما أخفقت حتى في تبرير الخلفيات العلمية البحثية لأسئلة الإحصاء التي عرضت على الجمهور.
أخفق أيضا التهديد بالسجن بموجب القانون، الذي ينص على عقوبة قد تصل لستة أشهر لكل من يعيق الإحصاء ولا يتعاون معه. فقد قلد كثيرون شعارا رفعه على «فيسبوك» المواطن يونس الدوايمة مقترحا على موظف الإحصاء إحضار الشرطة معه لاعتقاله واعتقال عائلته فورا لأن العائلة، كما قال، لن تتعاون بأي حال مع أي استفسار إحصائي يعترف بالكيان الإسرائيلي.
المثير في المشهد ان الأسباب «البحثية» التي تتذرع بها الحكومة أفسدت الإحصاء السكاني النادر، ويفترض انه الأول من نوعه منذ عشر سنوات. فكل التقديرات تشير إلى أن مجريات الإحصاء العام لن تكون إيجابية الآن في ظل الارتباكات التي أنتجتها حملات المقاطعة الشعبية. وفي ظل الاجتهاد البحثي، الذي حاول «دس» اسم إسرائيل عمليا لأول مرة في إحصاءات من هذا النوع في تواقيت إقليمية وسياسية حساسة.
المزاج الشعبي في الأردن عموما متوثب للانقاض على أي محاولات لتسييس فعالياته واتجاهاته. ورغم الرواج الكبير لاتفاقية وادي عربة ولقصة العلاقة مع إسرائيل، لا زالت الكلمة الأخيرة ثقيلة على وجدان الأردنيين، بدليل ان الحملة الأولى التي اشتبهت بأسئلة الإحصاء وأثارت النقاش حول ورود كلمة إسرائيل فيه انطلقت في مدينة الكرك، جنوب البلاد، ثم توسعت في عمان.
بدا واضحا هنا ان الجانب البحثي العلمي في هندسة بنود ونصوص الإحصاء لم يكن موفقا في التقاط مسألة في غاية الحساسية بالنسبة للشارع الأردني بكل مكوناته. والدرس الأول والأهم، في هذا السياق، هو ان خطة حكومة عبدالله النسور في برمجة استطلاع هادئ ومفيد للسكان في ظرف حساس، خرجت عمليا الآن عن السكة المرسومة، لأن جهة ما أرادت حشر اسم إسرائيل، بصرف النظر عن حصول ذلك من باب الخطأ أو النية المقصودة. الأردنيون بصورة عامة اليوم يمارسون الشك بكل الاعتبارات والمشاريع الحكومية. فبعيدا عن الإحصاء، يعتقد كثيرون ان خلفيات قانون اللامركزية الإدارية سياسية الطابع أيضا.
لكن عندما تعلق الأمر بالإحصاء، وعندما أعلن الرئيس النسور رسميا عن توسع في الشروحات التي تضمن لمواطنيه أن المسألة بحثية محض، ولا علاقة لها بأي اعتبارات سياسية ولا بأي إجراءات يمكن ان تتخذها حكومته، فإن حشر مفردة إسرائيل أطاح مبكرا بسمعة الإحصاء وبوسائل تنفيذه التي أصبحت الأن أصعب وأكثر تعقيدا، رغم ان ضمانات النسور آنذاك كانت معقولة ومنطقية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى