حرية التعبير000 الضمانات والقيود

حرية التعبير000 الضمانات والقيود
د. حازم سليمان توبات

إن الحديث عن حرية التعبير قديم قدم البشرية. ففي عصر اليونان مثلا ، يعد سقراط من بين أهم المدافعين عن حرية التعبير, ففكره وإيمانه بحرية التعبير كانا السبب وراء محاكمته الشهيرة عام 399 ق م , حيث فضل هذا الفيلسوف الموت على التخلي عن أفكارة وحريته في التعبير عن رأيه وقال قولته المشهورة “لا يحق لأي شخص على الأرض أن يملي على الآخر ما يجب عليه قوله أو يحرمه من الحق في التعبير”.
وفي العصور الوسطى ، عاش الأوروبيون في الطغيان والظلم لمئات السنين. لقد كان موقف الحكومات الغربية انذاك من حرية التعبير استبداديًا , فكانت اطاعة الاوامر والنظام أعلى قيمًا من الحقوق والحريات. فكان الحكام الاروبيون يمارسون القمع والاستبداد, وكان التعذيب والموت هو مصير كل من يحاول الوقوف في وجه الاستبداد والظلم .فقد اعتُبرت حرية التعبير آنذاك أداة لتهديد الدولة لذلك تعرض العلماء والمفكرون للمضايقات والسجن بسبب آرائهم وأفكارهم. ففي عام 1633 حُكم على (جاليليو) بتهمة الزندقة وادخال معتقدات جديدة على المجتمع لأنه ادعى أن الأرض تدور حول الشمس ، وقضى بقية حياته قيد الإقامة الجبرية. واستمر الوضع على هذا الحال حتى عام 1688 حيث انطلقت الثورة الإنجليزية وكان نجاحها بداية ظهور المفهوم الحديث لحرية التعبير. فبعد عام واحد من الثورة ، سن البرلمان البريطاني قانونًا سمي بقانون”حرية التعبير . وفي فرنسا ، بعد عقود من الصراع الدامي ضد الظلم والاستبداد الذي انتهى بالثورة الفرنسية عام 1789 وتبني إعلان حقوق الإنسان والمواطن وفرنسي. حيث نص الإعلان على أن حرية الرأي والتعبير جزء أساسي من حقوق المواطنين.
ما يمكن قوله في هذا المجال هو أن حرية التعبير ليست رفاهية يمكن الاستغناء عنها أو إهمالها. إنها نقطة انطلاق لمجتمع حر وديمقراطي. وهي أداة مهمة لقياس مدى التزام الدولة بضمان حقوق وحريات الأفراد بل هي أساس مهم لمعظم حقوق الإنسان وحرياته. وبالتالي ، فإن مبررات حرية التعبير مستمدة من أهميتها للأفراد والمجتمع. فلحرية التعبير قيمة اجتماعية بارزة ولها تأثير إيجابي على المجتمع في جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية . يقول (جون ستيوارت ميل) بأن حرية التعبير تشكل شرطًا أساسيًا لاكتشاف الحقيقة وشرطًا أساسيًا لازدهار الحقيقة المكتشفة. فبدون حرية التعبير، سيكون من المستحيل إجراء أي نقاش سياسي فعال أو إخضاع أنشطة الحكومة لأي نقد أو رقابة. على المستوى الفردي ، تعد حرية التعبير حجر الزاوية في تنمية الكرامة والقيم الانسانية لكل فرد. فهي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمفاهيم الحرية والاستقلالية وتطوير الطبيعة البشرية. لأنها تمكّن الأفراد من تنمية قدراتهم الفكرية وفهم ما يدور حولهم من أحداث.
علاوة على ذلك ، فإن حرية التعبير هي حق أساسي من حقوق الإنسان التي كفلها الدين الاسلامي, ولنا في مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (لا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها), وقوله كذلك (لحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر) خير دليل على حرص الاسلام على حرية التعبير. وعلى المستوى الدولي , فان الحق في حرية مكفول بموجب المواثيق الدولية ودساتير الدول. حيث تم النص عليها في المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية , والمادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
صحيح أن حرية التعبير ليست مطلقة , وأن المواثيق الدولية سمحت بفرض قيود على حرية التعبير ، إلا أنها وضعت ضوابط يجب على الدول الالتزام بها عند تقييد هذه الحرية حتى لا يتم اهدارها تحت ذريعة تنظيمها. هذه القيود وفقا للمواثيق الدولية يجب أن تكون ضرورية لحماية المصالح العليا للمجتمع ، مثل النظام العام والأمن الوطني, وأن تكون ضرورية كذلك لضمان احترام حقوق الآخرين وسمعتهم. كما وأن القيود القانونية المفروضة على حرية التعبير – ووفقا للفقرة 3 من المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية – يجب أن يتم صياغتها بدقة كافية لتمكين الأفراد من تنظيم سلوكهم وفقًا لذلك. كذلك تحظر هذه المادة فرض قيود غامضة أو مرنة على حرية التعبير, فلا يجوز منع نشر أي رأي لمجرد أنه يتضمن انتقاد للحكومة أو النظام السياسي , وبالمثل لا يمكن أن تكون القيود المفروضة على حرية التعبير ذريعة تستخدمها الحكومة لحماية نفسها من المساءلة ، أو للكشف عن أخطائها ، أو لإخفاء المعلومات حول عمل المؤسسات الحكومية.
ووفقًا للمبدأ (7) من مبادئ جوهانسبرج بشأن الأمن الوطني وحرية التعبير, فإنه لا تعتبر الممارسة السلمية للحق في حرية التعبير تهديدًا للأمن الوطني ولا يجب خضوعها لأي قيود أو عقوبات. وقد بينت ان التعبير عن الرأي الذي يدعو إلى تغيير سياسة الحكومة أو الحكومة نفسها دون عنف , أو التعبير الذي يشكل انتقادًا للدولة أو رموزها أو الحكومة أو مؤسساتها أو المسؤولين الحكوميين ,أو انتقاد دولة أجنبية أو رموزها أو حكومتها أو مؤسساتها لا يشكل تهديدًا للأمن الوطني . وبالتالي ، فإن السعي لتبرير القيود على أساس الأمن الوطني ليس مشروعًا إذا كان الغرض الحقيقي هو حماية مصالح الاخرى غير المتعلقة بالأمن الوطني ، بما في ذلك حماية الحكومة أو رموزها من الانتقاد.
المحكمة الاروبية لحقوق الانسان قضت في احد احكامها الصادرة عام 1986 بوجوب السماح بانتقاد الشخصيات الرسمية والمعروفة حتى لو تضمن اتهامًا أو تشهيرًا بهذه الشخصيات , وبينت أنه من غير المقبول منع الصحافة من انتقاد الشخصيات العامة بذريعة حماية سمعتهم, فالشخصيات السياسية يجب أن تخضع للنقد أكثر من الآخرين. وقد فسرت ذلك بالقول أن هذا النوع من الانتقاد مناسب للنهج الديمقراطي الذي يتطلب مناقشة الشؤون العامة وتقييم مواقف وآراء القادة السياسيين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى