حرب الشائعات القذرة/ د.محمود أبو فروة الرجبي

الشائعات سلاح خَطِير يستخدمه البَعْض بذكاء، وَبِطَرِيقَة مؤذية، قَدْ تُؤَدِّي إلى كوارث داخل البلد الواحد، فكم من إشاعة أدَّت إلى تعطيل الاستثمار، أوْ تقليل ثِقَة المواطن بحكومة بلده، أوْ بشعبه، وَقَدْ أوصلت بَعْض الإشاعات بلدانا مُعَيَّنَة إلى حروب أهلية طاحنة.
لا تنحصر مُشْكِلَة الإشاعات بمن يطلقها، بَلْ بمن يصدقها، وبالجو العام الـمُحيط فِي وَقْت معين، وَالَّتِي تجعل من انتشار الشائعات سهلًا. فَمَنْ المعروف عِلميًا أن أجواء عدم الثقة، وَوُجُود قرارات مصيرية مرتقبة فِي حياة الشعوب تجعلها أكثر تقبلاً لأيّ إشاعة مُتَعَلِّقَة بِتِلكَ القرارات.
ومِن أكثر العوامل الَّتِي تبني بيئة خصبة للشائعات عدم الثقة بَيْنَ الحُكومَة والشعب، فَهَذِهِ من الأمور القاتلة الَّتِي تؤجج الإشاعات، وَتُعْطِي فُرْصَة لأعداء البلد لبث سمومهم عَلَى شكل إشاعات قاتلة، كَمَا أن الديكتاتورية، والإعلام السلطوي القائم عَلَى إخفاء الحقائق، يؤثر بِشَكْل طردي عَلَى نشر الشائعات، وتصديقها من النَّاس.
ثقافتنا تُساعد عَلَى تقبل الشائعة، وَكُلَّمَا كانَ الإنسان يكره شيئًا مُعَيَّنًا، يتقبل الأفكار الَّتِي ضِدَّهُ بِشَكْل أكبر حَتْى لَوْ كانَت ساذجة أو غير مَعْقُولة، وَسَبَب ترسخ ثقافة تقبل الشائعات فِي ثقافتنا عائد إلى قرون من أجواء عدم الثقة، ووقوع بلادنا ضحية دول استعمارية فِي فترات مبكرة من القرن العِشْرين، ثمَّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وعدم القُدْرَة عَلَى تحريرها، جَعَل الأمة تعيش فِي أجواء الفشل الجماعي، وَالشُّعُوُر بالعجز وَالسَّلْبِيَّة أمام الوُقُوف فِي وَجْه أطول استعمار فِي التاريخ الحَدِيِث: احتلال فِلِسْطِين كَامِلَة.
من أجل أن نحارب الإشاعات لا بُدَّ من تحصين المواطن، وتثقيفه، وتعليمه كيفية التَعَامُل مَع وَسَائل الإعلام، فَلا أحد يَسْتَطِيع التغاضي عَن أن الإعلام أصبح جزءًا أساسيًا من حَيَاة النَّاس، فَعِنْدَمَا انتشرت الصَّحَافَة، رسخت مفهوم الاعتماد عَلَى وَسَائل الإعلام رَغْم أن القِرَاءَة كانَت نخبوية، ونسبة التَّعَليم قليلة، وَبعْد مجئ الراديو تغيرت المعادلة وَأصْبَحَ الإعلام شعبيًا، وَمَع مُرور التِلْفِزْيُون زادت شعبية، وتأثيرات الإعلام حَتْى وصلنا إلى مرحلة “الفَاعِل الرقمي” من خِلال مُشَارَكَة النَّاس كلهم ببث الرسائل الإعلامية.
مَع انتشار وَسَائل التواصل الاجتماعي أصْبَحَ من الصعوبة بِمَكَانٍ السيطرة عَلَى الإشاعة، وما دامت الإشاعات تشكل قنابل موقوتة قَدْ تنفجر بِنَا فِي أي وَقْت لا سمح الله، لا بُدَّ من العَمَل عَلَى محاربتها مُبَكِّرًا كَيْ لا تُؤثر عَلَى حَيَاتنَا أكثر..
المواطن الواعي هُوَ السد المنيع الأول فِي وَجْه الإشاعة، وَالحُكومَة الَّتِي تَتَعامَل بِشَفَافِيَّة، وعدالة هِيَ الأقدر عَلَى اجتثاث البيئة المشجعة عَلَى تقبلها.

Mrajaby1971@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى