حجاب أبيض

[review]
حجاب أبيض

بطلتها الخجولة كان وجهها يبث شيئا ما لا أدري كنهه وكل ما أعيه أن فيها جاذبية من نوع غريب، لا يشعر بها إلا من ذاق طعم الألم، سمرتها الغامقة تأسرني، وأتلذذ في تأملها، أما حجابها الأبيض فكم شعرت أنه يزيدها هالة سماوية، ويجعلها قطعة من السماء…

كنت أحدق فيها بصمت، وما أن تراني تهرب نظراتي منها، وكأني اقترفت إثما، ترصدتني ذات يوم، وكانت قد جهزت ابتسامة مسبقة لئلا أفلت منها..

ابتسم ثغري لها ببلاهة اعتدتها عندما أشعر بارتباك، وتظاهرت أني أفتش في شيء ما في حقيبتي، لم أكن أدري من قبل أن للوجوه طقوس، نسكن بعضها، وتمر أهدابنا مغادرة البعض الآخر دون التفات…

مقالات ذات صلة

بدأت الحديث معها وتعارفنا، عرضت لها صداقتي، فرمقتني بهدوء عين لم تغادرني طيلة السنوات التي بعدت مرفأ عيوني عن شواطئها…

كان لا بد لنهاية طقوسي معها، فنحن في مهب اللقاءات، ليس بوسعنا إيقاف نزف الفراق، بات يعيشنا ونحن نسكن غيره، يتشبث ببقايا خطوات لنا، ويرمي من ذاكرتنا ما لا نريد رغما عنا…

ذات مساء شاهدت الوجه نفسه، في جمع غفير، لم أصدق أن تجمعنا الدنيا مرة أخرى بمن ظننا أننا نسيناهم، ربما كان هذا الظن محاولة الذات للصمود أمام الذات، ورغبة بالعيش بسلام…

أصررت يوما على إهدائها حجابا بلون السماء وآخر بلون الليل، أقنعتها أنهما سيكونان مناسبين لوجه يشبهما، فيه صمود السماء واعتلائها، وفيه هدأة الليل وسكونه، لم أقصد أنها لا تستطيع شراء حجاب آخر غير ذاك الذي لم يغادر وجهها طيلة سنتين جمعتنا، لم أنوي جرح كبرياءها، بيد أنها رفضت مساوماتي معها بقوة ليل وسماء…

في هالة لا يناسبها إلا الدعاء جلست، ارتقبت اللحظة المناسبة كي أصلها وأبث شوق السنين لوجهها، كنت أستذكر مقطعا من أغنية قديمة، رددته في نفسي، وتمنيت أن تتركنا عيون الكون عينا تشكي لعين، خلسة عن عين فراق تترقبنا هذه المرة، كنت أردد الدعاء وأنا أعتذر لها بسري عن تقصيري في البحث عنها…عن ظني بأن حجابا آخر يناسبها…عن رغبتي في معرفة ما تخفيه يدها عندما وزعت حقائب وملابس لمن يحتاجونها..

وددت لو أدعو لها أمام الملأ…أقسم لها أنني عشقت كبرياءها..وددت لو…وغاب وجهها في ذلك الزحام… رمقتني مرة واحدة التقت عيوننا بها، وكعادتي بابتسامة بلهاء وهروب أضعتها..

صافحت يدي غيرها احتراما لذات أسكنتنا جو دعاء وخشوع، وبدأت بتصفح سريع لوجوه كثيرة أحاطتني.. وسرعان ما رفض كبرياؤها انتظار عطائي، لم تكن بحاجة لعطاء..علمت أنها استطاعت أن تنهي تحصيلها الجامعي بجد واجتهاد..علمت أنها قوية كالسماء، صمود الليل في عينيها لم يدع أحد يتلذذ بعطاء لها..

كنت أنا من يحتاجها، ولم تكن هي..

غابت في زحام..وسرت في درب بعيد لا أعرف دربها..

ولم اذكر أنني عدت مرة أخرى لذلك المكان..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى