جدل الإلحاد وحرية التعبير !! / عبدالرحيم الزعبي

جدل الإلحاد وحرية التعبير !!

لم يكن النقاش القديم (لغاية السنوات الأولى من الألفية الثالثة) حول القضايا الوجودية الكبرى (إيمان/ إلحاد) أقل حرية مما هو عليه اليوم. بعبارة أدق لا تصلح الحرية كوجه للمقارنة بين الأمس واليوم. أظنني ألحظ أن وجه المقارنة بين الزمنين يتلخص في تورع عموم الناس بالأمس عن الحديث في قضايا جدلية معقدة لعلمهم بأنها تحتاج إلى زاد معرفي أوسع، وفي المقابل فإن عموم الناس اليوم راغبون في تسطيح الأمور والحديث فيها.

تسطيح القضايا الجدلية المعقدة، والترويج لمقولة “Keep it simple, simplicity is strength”، والتشجيع على الثرثرة اللامسؤولة، ومحاربة التعقيد والتركيبية والتعدد والتنوع والثراء هو داء هذا العصر !! وهو الذي شجع الناس على الخوض في هذه المسائل، يضاف إلى ذلك كله التوجه العالمي نحو التوكيد على المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات (في السياقات الشكلية لا الجوهرية على الأغلب) بما في ذلك حق التعبير. كل ذلك قاد الناس إلى التهافت على اقتحام الموضوعات الجدلية المعقدة !! ولعل ذلك يهدف إلى إحلال فكرة “المساواة بين الناس في حق الثرثرة” محل فكرة “ولا تقف ما ليس لك به علم” !!

يمكن استعارة مقولة فلسفية ناقدة ل “حرية التعبير” بشكلها الرائج، المقولة هي: “لقد منحوهم حرية التعبير وحجبوهم عن حرية التفكير”، وهي مقولة تشبه مع ما عبر عنه المسيري رحمه الله بمصطلح “التنميط”، وهو توحيد الناس جميعا على نمط واحد. وهو النمط الذي أنتجته وروجت له وصدرته أمريكا إلى العالم. وهو غالبا نمط ثرثار يستمتع بمشاهدة تلفزيون الواقع، ومتابعة أخبار نجوم السينما والرياضة، والاهتمام بالجوانب الخاصة في حياتهم (الفضائحية غالبا)، وبآرائهم ومواقفهم من القضايا العامة (وهم مع الأسف يشجعون على إبداء الرأي في أية قضية مهما بلغت درجة تعقيدها، ولا عجب) !!

مقالات ذات صلة

تسطيح المواضيع الجدلية المعقدة والحض على الكلام والثرثرة فيها هو آلية تنتجها السلطة وتشارك فيها وتستثمرها وتتلاعب على حبائلها ببراعة. وهي آلية تخدم كلا من السلطات التي تطلق حرية التعبير وتلك التي تقيدها، فبالنسبة للأولى هي تعطي عموم الناس حرية خادعة (حرية تعبير لا تفكير)، وبالنسبة للثانية فهي تعطي عموم الناس إحساسا بأنهم يخوضون حربا من أجل الحرية، ثم تقوم السلطة بالتقافز الرشيق الماكر على حبائل هذه الحرية، فتمنحها تارة وتحجبها تارة، وهي تحقق مكاسب شعبية عند المنح، وتحقق احتراما شعبيا عند الحجب، ذلك أن الحجب عادة ما يتم تدعيمه بمبررات اجتماعية ودينية تتماشى وفطرة المجتمع !!

#عبدالرحيم_الزعبي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى