تفاصيل جديدة عن عملية التطهير بفندق “ريتز” بالرياض

سواليف

نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا تحدثت فيه عن التفاصيل الجديدة، التي كشفها بعض المعتقلين السعوديين الذين احتجزوا في فندق ريتز كارلتون بالرياض.

وقالت الصحيفة، في تقريرها  إنه في أوائل شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من سنة 2017، اعتُقل ما يقارب 400 شخص من أقوى الشخصيات في المملكة العربية السعودية – من بينهم الأمراء وكبار رجال الأعمال ووزراء – ووقع احتجازهم في فندق ريتز كارلتون. لذلك، صُنفت هذه العملية ضمن أكبر عمليات التطهير وأكثرها إثارة للجدل في تاريخ المملكة الحديث.

هزت حملات الاعتقال أسس المجتمع السعودي، حيث جعلت من بعض الشخصيات القوية التي كانت تتمتع بالحصانة أهدافا للاعتقال. وقد تجاهل النظام مكانتهم في المجتمع السعودي، واستولى على أصولهم، ووضع حدا بذلك لإمبراطورياتهم التجارية. كما ساهمت هذه الحادثة في نقض أسس الاتفاق التقليدي بين الدولة والنخبة المؤثرة في البلاد بين عشية وضحاها.

مؤخرا، كشفت الشخصيات البارزة التي قُبض عليها في تلك الاعتقالات عن تفاصيل جديدة بشأن ما حدث. ووصف المحتجزون السابقون في فندق ريتز، الذين جُرد الكثير منهم من ثرواتهم، عمليات التعذيب والإكراه التي تعرضوا لها. كان ذلك بقيادة مستشاري الديوان الملكي الذين حاولوا بشكل فوضوي معرفة حجم الاستثمارات التي تقف وراء تنامي ثروة العائلات الأكثر نفوذا في المملكة واستولوا عليها.

تأتي هذه الروايات التي تسرد ما حدث في فندق الريتز، والتي تم تقديمها من خلال وسيط، من بعض كبار رجال الأعمال السعوديين الذين يزعمون أنهم تعرضوا للضرب والترهيب من قبل ضباط الأمن، تحت إشراف وزيرين مقربين من ولي العهد محمد بن سلمان، الذي أصدر تعليمات بتنفيذ عملية التطهير.

تتزامن عمليات الكشف عن هذه التفاصيل الجديدة مع الذكرى الثالثة لحادثة التطهير، وقبيل انعقاد قمة مجموعة العشرين في الرياض في نهاية هذا الأسبوع، التي حولتها جائحة كوفيد-19 من حدث عالمي إلى ندوة عبر الإنترنت. بداية من شهر كانون الثاني/ يناير من السنة المقبلة، سيجد الأمير محمد، الحاكم الفعلي للمملكة، نفسه أمام رئيس أمريكي جديد من المرجح أن يلغي الحماية التي كانت توفرها له إدارة ترامب، والتي تشمل التغاضي عن قضايا حقوق الإنسان التي تدين المملكة.

لا تزال المدافعات عن حق المرأة في القيادة في السعودية، ومنهن لجين الهذلول، في السجن رغم تنظيم حملات عديدة تطالب بإطلاق سراحهن. وقد حثت العديد من الشخصيات في المجتمع المدني على الإفراج عن الناشطات قبيل القمة التي كانت تتمحور حول طرق تمكين المرأة، إلا أن هذه النداءات لم تلق آذانا صاغية من السياسيين السعوديين.

في أغلب الحالات، بدأت اعتقالات فندق ريتز كارلتون بمكالمة هاتفية لاستدعاء الأشخاص المستهدفين للقاء الأمير محمد أو الملك سلمان نفسه. في قضية أخرى، قال رجلا أعمال بارزان إنه طُلب منهما عقد اجتماع في المنزل وانتظار قدوم مستشار من الديوان الملكي إليهما. بدلاً من ذلك، ظهر مسؤولو أمن الدولة واعتقلوهما ليتم اقتيادهما إلى فندق من فئة الخمس نجوم، حيث كان الحراس وكبار مساعدي ولي العهد ينتظرونهم.

وقال مصدر مطلع على ما حدث: “في الليلة الأولى، كان الجميع معصوبي الأعين وتعرض الكل تقريبا لما تسميه المخابرات المصرية ‘ليلة الضرب’. سُئل الناس عما إذا كانوا يعرفون سبب وجودهم هناك، ولكن لا أحد يعلم. تعرض بعضهم للضرب المبرح. كان هناك أشخاص مقيدون إلى الجدران، في وضعيات صعبة. استمر التعذيب لساعات وكان كل من قام بالتعذيب من السعوديين. لقد كان الهدف من ذلك كسر شوكتهم. ثم في اليوم التالي، وصل المحققون”.

بحلول ذلك الوقت، تم توزيع المعتقلين على غرف الفندق الذي كان قبل أسابيع فقط شاهدا على إطلاق خطة الأمير محمد الطموحة “رؤية 2030″، وهو إصلاح شامل للمجتمع السعودي كان من المفترض أن يفتح أبواب دولة محافظة على عالم مفتون باتساع نطاق إصلاحاته الموعودة.

في حديثه عن المحققين، أفاد أحد المصادر: “هناك اعتقاد خاطئ بأن المحققين جاؤوا وهم على علم بكل شيء وكانوا مصحوبين بصفحات من البيانات والمعلومات، لكن هذا غير صحيح. في الواقع، كانوا لا يعرفون إلا القليل وكانوا غير متمرسين. كانوا مطلعين على الأصول السعودية، لكنهم كانوا جاهلين بالأمور الخارجية”.

تحدث بعض المعتقلين عن تعرضهم للتهديد من خلال تسريب معلومات خاصة، مثل العلاقات خارج نطاق الزواج أو المعاملات التجارية التي لم تكن لتنال الموافقة حتى في ظل النظام القديم. لم يقع تسريب أي شيء، لكن التفاصيل القليلة التي ظهرت قد أعطت أهمية للمكالمات التي بدأ إبراهيم وردة، الأستاذ المساعد في التمويل الدولي في كلية فليتشر بجامعة تافتس في الولايات المتحدة، بتلقيها في منتصف سنة 2017 من طلاب سابقين يسألون عن الحياة المهنية لبعض الشخصيات السعودية البارزة التي كشفها في درس. شعر إبراهيم أن شيئا ما كبيرا يلوح في أفق الرياض، وكان على حق.

في هذا الصدد، قال إبراهيم: “انتهى المطاف بالعديد ممن تخرّجوا من صفي في عالم الذكاء المالي. بقيت أتلقى أسئلة غريبة من بعضهم حول من كان متورطا في العديد من الخدع المالية. أصبح من الواضح أنهم كانوا يعدون تقارير للشركات التي كانت تعمل لصالح السعوديين في الوطن”.

فاجأ عدم فهم الهياكل الاستثمارية بعض الرجال الذين وقع استجوابهم. وقال المصدر المطلع على الأحداث داخل فندق ريتز: “كانوا يخمنون صافي ثروة الناس. لقد كانت عملية ابتزاز. في مرحلة ما، سمحوا للأشخاص بالوصول إلى رسائل البريد الإلكتروني والهواتف الخاصة بهم وطلبوا منهم الاتصال بمديري العلاقات المصرفية الخاصة بهم في جنيف وطلب مبالغ كبيرة من المال. تم إخبار المتصلين بأنه لا يوجد رصيد في الحسابات. اعتقد المحققون أن جميع الأصول كانت نقدية”.

قال مصدر مصرفي رفيع المستوى، رفض الكشف عن هويته، إن المديرين التنفيذيين في القطاع المصرفي السويسري شرعوا في إجراء تحقيق في أعقاب المعاملات غير النظامية خلال وقت الحملة. وقال المصدر إنه “يبدو أن الكثير من عمليات النقل تمت تحت الإكراه، لذلك تم إيقاف البعض منها لأن الطلبات لم تكن اعتيادية”.

عبر العديد من المحتجزين عن حيرتهم لمساعديهم بشأن سبب وجودهم هناك. فقد كان البعض منهم من المقربين من النظام الملكي السعودي، ومستفيدين في نفس الوقت من حرية وصولهم إلى الملوك والأمراء الذين لم يخجلوا من تنمية ثروات قادة الأعمال من خلال إمكانية الوصول والسخاء. كما يحظى جميع أفراد العائلة المالكة السعودية بعلاقات مع كبار العائلات المالكة للمؤسسات الصناعية، وكانت الرعاية السياسية محورية في المقايضة. وقال نفس المصدر إن نظام الحكم في السعودية “ملكية مطلقة، مما يعني أن القادة يمكنهم فعل ما يريدون.. فالناس فازوا بمزايا من خلال العادات السائدة منذ فترة طويلة”.

وأضاف المصدر ذاته: “في كثير من الأحيان، لم يكن لدى هؤلاء أدنى فكرة عما كانوا يبحثون عنه. وأصبح الأمر ابتزازًا في بعض الأحيان، لأن بعض المعتقلين رفضوا التوقيع على أي شيء. لم تكن هناك أي إجراءات قانونية عادلة. ولا يوجد شيء يدعى صفقة الإقرار بالذنب في نظام العدالة السعودي، ولكن ذلك ما كانوا يحاولون فرضه”.

بعد ثلاث سنوات، لا يزال الأمير محمد مصرًا على أن كل من جُردوا من ثرواتهم كانوا مذنبين ومتورطين في قضايا الفساد. ويقول المسؤولون السعوديون إنه وقع استرداد ما يصل إلى 107 مليارات دولار أمريكي (80 مليار جنيه إسترليني) من 87 شخصًا وإعادتها إلى خزينة الدولة. وقد حظيت الاعتقالات بدعم واسع في أجزاء من المجتمع السعودي، حيث لا يزال ولي العهد يتمتع بشعبية على الرغم من ثلاث سنوات من العناوين المسيئة، بما في ذلك مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، في قنصلية إسطنبول على يد فرقة اغتيال مرتبطة بالمساعد السابق للأمير محمد.

في المقابل، تشير مصادر إلى أن الرقم الصحيح للأموال التي تم الاستيلاء عليها أقرب إلى 28 مليار دولار، وتزعم أن التطهير جاء على حساب كسر الثقة بين النظام الملكي ومجتمع الأعمال السعودي.

 

وحسب أحد المصادر فإن “الأمر كان يتمحور حول تعزيز حكمه بكل وضوح وبساطة. حدث ذلك قبل حادثة مقتل خاشقجي الفظيعة، وحقيقة إفلاته من العقاب أتاحت له القيام بعملية الاغتيال. فنفس الحراس المتورطين في حملة التطهير متطورون أيضا في عملية قتل خاشقجي… ولن يكون التاريخ متسامحًا مع محمد بن سلمان في أي منهما”.

ووفقا لما أفاد به إبراهيم وردة: “عادة ما تكون مبادرات مكافحة الفساد ذات دوافع سياسية، وغالبًا ما تكون أداة استهداف للذين تم إثراؤهم. وقد كانت هذه قضية واضحة لتقاطع المال والسياسة في العالم الإسلامي”.

[wpcv_do_widget id=”wpcv-table-2″]

المصدر
عربي 21
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى