تعليم عن بعد أم تعليم كوروني؟

تعليم عن بعد أم تعليم كوروني؟
الدكتور ذوقان عبيدات

إذا كنا نتحدث عن التعليم عن بعد، فهذا نوع معروف، بدأته جامعة دمشق منذ الخمسينيات من القرن الماضي- حيث كان يسمّى: التعليم بالانتساب. يشتري الطالب الكتب، ويقدم امتحانا بها، أو فيها. كما انتشر في المملكة العربية السعودية- لتعليم البنات – حيث حالت نظم تقليدية بين المعلم والطالبات. وساد هذا التعليم أيضا في نمط الجامعات المفتوحة. التي تعد مواد تعليمية وأنشطة يتعلمها الطلبة من منازلهم. وفي الأردن شاع في السبعينيات من القرن الماضي ما يسمى بالدراسة من منازلهم!!، حيث اتاحت وزارة التربية فرصة استئناف التعليم لمن فاته قطار التعليم من متسربين او كبار العمر….الخ.
ومن الجدير بالذكر، ما اتجهت إليه معظم الأنظمة التربوية العربية من تعليم عبر التلفزيون التربوي.
ومع تسليمي بفشل بعض هذه التجارب، إلا أنها كانت تمارس كحلول لأزمات، مثل نقص المعلمين الجيدين، ونقص الأبنية المدرسية، وصعوبة الوصول إلى المكان لدى طلبة المناطق البعيدة.
وفي مواجهة الأزمات، فإن أحدا لا يتوقع الوصول إلى تعليم نموذج يحقق أغراضه كافة.
سأتحدث في هذه المقالة عن قضايا خمس، ذات صلة بالتعليم عن بعد:
(1)
مهارات المعلمين
ليس سرا أن جميع أنظمة التعليم في العالم تعاني من نقص المعلمين الماهرين. ولذلك فإن التعلم عن بعد يعد حلا. حيث يستطيع معلم ناجح واحد، أن يقدم دروسا لعدد غير محدود من الطلبة قد يصل إلى عشرات الآلاف. فالطلبة في المناطق المحرومة والمتباعدة لا يحظون بمعلمين جيدين، وقد لا يحظون بمعلمين أصلا!، ولذلك فإن التعليم عن بعد قد يكون حلا عظيما وناجعا لهذه المشكلة.
ويثور سؤال: هل المعلم الصفي الناجح هو معلم-عن بعد ناجح-؟ أم أن مهارات التعلم عن بعد تختلف نوعا عن مهارات التعليم الصفي؟ قد نشاهد معلما لصف ناجح ولكنه ملقن ناجح! وكذلك المعلم عن بعد، قد يلقن بنجاح. لكن إذا كان التعليم أكثر من تلقين، بل أكثر من مادة دراسية وامتحان فإن التعليم الصفي والتعليم عن بعد يفشلان في تعليم نوعي يعتمد التفكير والعمل الذاتي والتعلم المتبادل.
ولذلك يكون التحفظ الأول، ليس لدينا معلم صفي ناجح ولا معلم عن بعد ناجح، وعلينا إيجاد مثل هؤلاء المعلمين، وخاصة معلم عن بعد!!.
ليس الوقت ملائما بالإفاضة في الجواب. لكن يحتاج المعلم عن بعد إلى شخصية ملهمة، جاذبة، يتطلع اليها الطلبة. فالطلبة لن يتابعوا- كما رأيت- معلما يكتب على السبورة ويتحدث معطيا ظهره الى طلابه. إن معلم التعلم عن بعد تقني، مهني، إنساني، ديمقراطي ….الخ.
ليس متوفرا الآن!!!

(2)
المنهاج والتعليم عن بعد
إذا كان المعلم عن بعد يختلف عن معلم التعلم المباشر، فإن المنهاج المدرسي يختلف أيضا، وكذلك الأدوات، والمشكلات، ولعل من أبرز الاختلافات:
• طبيعة محتوى المنهاج، وأهدافه، وكمه ونوعه.
• طبيعة إدارة الطلبة.
• استراتيجيات الدعم والتغذية الراجعة والمتابعة.
• الجو النفسي.
فالمنهاج الصفي غالبا ما يكون تفصيليا، ومفصليا، ومجزءا إلى دروس، كما يكون طويلا، وغير قابل للتنفيذ في الوقت المخصص. فالدراسات العالمية تشير إلى أن الوقت المخصص لكل منهاج يقل بثلاثة أشهر عن الوقت المطلوب، ولذلك يلهث المعلم والطلبة والمشرفون على إنهاء المنهاج المقرر وتنفيذه في وقت قصير جدا، لا يمكّن أحدا من مهارات التفكير أو التحليل.
من حيث إدارة الطلبة، فان المعلم الصفي مضطر لضبط سلوكهم، بل وكبت الكثير من حاجاتهم. فالدراسات تشير الى ان المعلم الصفي يقضي من 6-8 دقائق في كل حصة في تعليمات تهدئة الطلبة وضبطهم. فالمعلم الصفي لا يستخدم الوقت المتاح كله خلافا للمعلم عن بعد! وتختلف طبيعة إدارة الموقف الصفي عن الموقف عن بعد، حيث يهتم المعلم عن بعد بتنظيم الوقت النوعي المتاح والمعادل تماما للوقت المقرر رسميا. ولا يحتاج إلى مهارات الضبط بمقدار حاجته إلى مهارات الإقناع والموثوقية. فإدارة الموقف الصفي تختلف باختلاف سلوكات الطلبة وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية، بينما تعتمد إدارة الموقف عن بعد على المعلم وحده مهما اختلف طلابه. كما يمكن القول إن طلبة التعلم عن بعد أكثر انسجاما وتفاعلا- حيث لا رقابة، ولا تشويش، ولا قواعد صارمة.

(3)
الأدوات وإستراتيجيات التعلم
والتغذية الراجعة
تتطلب تحقيق أهداف التعلم استعدادات مسبقة. ففي الموقف الصفي يهتم المعلم بإعداد خطة الدرس وأهدافه بغض النظر نسبيا إلى متغيرات الطلبة. بينما يستعد المعلم عن بعد مسبقا للدرس، وينظم المهام مسبقا، ويعد المواد اللازمة والأنشطة مسبقا، دون أن يصرف وقتا صفيا. فهذه بالنسبة له عمليات ما قبل الدرس. إن المعلم عن بعد أيضا، مسؤول عن فحص الأجهزة والأدوات، حتى أنه يمكنه تسجيل الدرس كاملا قبل الوقت المخصص أو المحدد. صحيح أن الدروس عن بعد يتطلب بعضها تفاعلا متزامنا كالموقف الصفي. لكن بشكل عام فان التفاعل المتزامن ليس ضروريا.
يستطيع المعلم الصفي أن يقدم تغذية راجعة بسهولة الى طلبته، خلافا للمعلم عن بعد الذي قد يهتم بأهداف أخرى غير التغذية الراجعة. إن المعلم عن بعد، يستطيع أن يعد الأنشطة التي يمكن تنفيذها ذاتيا، بحيث يتلقى المتعلم تغذية راجعة ذاتيا وفوريا أيضا.
ان أبرز التباينات بين معلم الصف والمعلم عن بعد تتمثل في أن المعلم عن بعد، ومن خلال ما يمتلك من أدوات ان يزود الطلبة بأنشطة وتسجيلات وفيديوهات يمكنهم مشاهدتها أكثر من مرة. ولكن هذا ميسور أيضا للمعلم الصفي، وهنا يكون التعليم مدمجا بين تعليم صفي تقليدي وتعليم تقني.

(4)
الجو النفسي
في الأجواء العادية، يمكن أن يتعادل أثر التعليم الصفي والتعليم عن بعد. فالتعليم عن بعد كما ظهر فلسفة لها أصولها ويمكن تطبيقها بنجاح. لكن في جو الكورونا فإن من الصعب أن يحقق التعليم عن بعد أغراضه. فمن المبادئ التربوية، أن يتعلم الطلبة في جو نفسي مناسب. فهل الكورونا ومنع التجول والتغير الواسع في كل حركة في المنزل توفر جوا نفسيا ملائما؟ بل هل من الضروري أن نتعلم الرياضيات والعلوم والدين واللغة ونحن مهددون! يقول التربويون: لا يعمل الدماغ أثناء الخوف!! كما يقولون: اربط التعلم بحياة الطلبة اليومية. ففي زمن الكورونا يجب البحث عن الوعي الحياتي المجتمعي والصحي وليس عن نظرية فيثاغورس وقواعد اللغة.

(5)
التعليم عن بُعد والتعلُم عن بُعد
ليس سرًا أننا مارسنا خلال الأزمة تعليمًا عن بُعد وليس تعلمًا عن بُعد، قمنا بالتعليم ولم نعرف إذا حصل التعلم أو مقدار التعلم، فالتعيلم نشاط يمارسه المعلم: شرحًا وتفسيرًا وتوجهًا وتكليفًا بمهام، أما التعلم فهو ما ينتج عن التعليم من آثار إضافة لما يبذله المتعلم من جهد.
وكما قلت في مقالة سابقة: نحن مارسنا التعليم عن بُعد بنفس أساليب التعليم عن قُرب، وكلاهما محدود التأثير!!
التعليم عن بُعد قد لا ينتج تعلمًا وكذلك التعليم عن قرب.
سأتحدث في المقالة القادمة عن متطلبات تعليم عن بُعد ناجح! وتعلم ناجح، فلا تعلّم عن بُعد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى