بين التهوين والتهويل .. ضمانة وبشارة وعيد

بين التهوين والتهويل
ضمانة وبشارة وعيد
أ.د أحمد العجلوني
باحث أكاديمي وخبير اقتصادي

من أكثر الأمور المقلقة التي تؤرّق الناس ما يتعلق بالشأن الاقتصادي الذي يزاحم الهم الصحيّ أو يتجاوزه أحياناً. حيث إن الغموض المشوب بكثير من التنبؤات المليئة بالتشاؤم لما ستؤول إليه الأحوال الاقتصادية على مستوى العالم باتت تؤثر على الكثيرين بشكل سلبي ويجعلهم متخوفين من الآتي. ومن النادر جداً أن تجد من المحللّين والخبراء الذين تمتلئ بهم الشاشات وأصوات الإذاعات ووسائل التواصل المختلفة وغيرهم من يتعرض للجانب الاقتصادي للأزمة من وجهة نظر إسلامية؛ لا بل إن بعض من يدّعون بأنهم متنورون قد ينكر علينا “زج” الدين بهذه الأزمات. ولن أخوض بالكثير مما يستحق أن يساهم به الدين ونظامه الاقتصادي الفريد في تفسير هذه الأزمة وآثارها وكيفية التعامل معها، فهذا يحتاج لندوات وجلسات حوارية موسعة وليس مقال محدود. فلا أقل إذاً من ان يكون لكتاب الله والنظام الاقتصادي المنبثقة أصوله منه حيّز ضمن ما يطرح من تصور للأزمة الاقتصادية وكيفية التعامل معها أو حتى الخروج منها.
من المهم أن ندرك بداية بأن الأزمة في أساسها أزمة صحيّة، وليست ذات منشأ اقتصادي، وإنما نتج عنها آثار اقتصادية شملت أغلب دول العالم وطالت قطاعات اقتصادية واسعة وأثّرت فيها بشكل واضح، أغلب الآثار سلبية وبعض منها إيجابية. أتت هذه الأزمة –لا شك- بقدر عجيب من الله من حيث توقيتها وشمولها وآثارها وصعوبة التعامل معها، في تحد كامل الأركان لكل التقدّم العلمي والتقني لكل دول العالم بلا استثناء.
وكما أن ديننا وسط واتزان واعتدال في كل جوانبه، فإننا سنسلك طريقاً وسطاً ما بين التهوين التهويل، فالأمر ليس بالهيّن الذي سيمر كأنه سحابة صيف عابرة، أو ذلك الحدث البسيط الذي لا يستحق الاهتمام والتخطيط والاستجابة المناسبة له كتحد طارئ أثّر بشكل جذري وسريع على كل جوانب حياتنا. فقد رأينا أن دولاً كان ينظر إليها باحترام شديد ويؤخذ كل ما يأتي منها على أنه مثاليّ ونموذجي باتت في ذيل دول العالم في تعاملها مع الأزمة لأنها بالغت في التهوين من شأنه ولم تأخذ الاحتياطات الصحية اللازمة أو أفرطت في الميل نحو الجانب الاقتصادي، أو رضخت لعبث السياسيين وحساباتهم الضيّقة على حساب الإنسان وصحته وحياته، ومنها على سبيل المثال السويد والولايات المتحدة.
وبالتالي، فإنه من الضروري أخذ الأمر بمنتهى الجديّة على المستوى الشخصي والمؤسساتي والوطني، واستغلال الفرصة بتطوير أنظمتنا المختلفة والبحث عن أفكار وحلول جديدة لتحقيق كفاءة أعلى في استغلال الموارد المختلفة على مستوى الفرد والأسرة كما على مستوى القطاعين الخاص والعام. وأزعم أن بلدنا الحبيب الأردن كان من أفضل الدول أداءً من حيث إجراءات الحظر والوقاية؛ ما جنّب النظام الصحي الانهيار، وأعطى مؤشراً إيجابياً في الحد من الآثار الاقتصادية السلبية للجائحة.
بالمقابل، فإن التهويل من الأمر واعتباره كارثة الكوارث ونهاية العالم فيه تطرّف غير مقبول، وإن نتائجه لا تقل سوءاً عمن يهوّن الأمر إن لم تكن أكثر منه. لقد باتت الأزمة فرصة مثالية ومرتعاً خصباً لكل من هب ودب للخوض فيها وإطلاق التنبؤات بالسيناريوهات الكارثية على كافة المستويات، واستغل بعض منتحلي الألقاب والدرجات العلمية وادّعاء التخصص هذه الأزمة وهذا التخبّط بإطلاق غربان تشاؤمهم في كل اتجاه، وحتى أمست سحابة سوداء أحبطت الكثيرين وجعلتهم يخافون على أرزاقهم ومعيشتهم بشكل كبير. فهؤلاء من ناشري التشاؤم يجعلون من الركود كساداً ومن المنافسات التجارية حروباً عالمية آتية لا محالة، وغير ذلك من التخرّصات والتنجيم الذي يروّج له بشكل يتماشى مع سياسة وزير الإعلام النازي في عهد هتلر “جوبلز” عندما قال: “اكذب…. واكذب حتى يصدقك الناس” حتى أصبح الكثير من الناس يصدّقون الأمر لكثرة تكراره. إن تعمّد التركيز على السلبيات والمبالغة إلى حد الكذب في تصويرها وبشكل متكرر وكثيف، دون التنبيه إلى جوانب إيجابية وازنة ومهمة يعني بأن البعض يساهم بقصد في بث روح الإحباط والتشاؤم بين الناس لغايات في نفوسهم.
وبين التهوين والتهويل نجد في كتاب الله العزيز وأحاديث الرسول محمد ﷺآيات وأحاديث هنّ أثمن من الجواهر والكنوز، لطالما مررنا عليها خاصة في شهر رمضان، منها هذه الآيات التي فيها ضمان ووعد وأيمان مغلّظة بصدق هذا الضمان وتأكيده، ليس من وزير المالية أو غيره، وليس ضمان من السفير الأمريكي لدعم استقرار الأردن، بل هو من الله العظيم الرازق المعطي الكريم…. الذي يعطينا بلا حد ولا شرط. ألم تقرؤوا قول الله: ” وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ “؟ إن هذه القاعدة من أهم قواعد الاقتصاد الإسلامي فيما يتعلق بالنظرة إلى الموارد، بأنها مكفولة من الله، وضمان إلهي بأن الأمور لن تكون إلا بخير. فالرزق بكل أسبابه ومصادره وأنواعه مضمون، وعلى أساسها ننظر إلى أنه لن ينقطع الرزق ما دام الرازق موجود.
فهل تريدون تأكيداً لهذا الضمان؟………. حتى يزيدنا ربّنا يقيناً بما عنده وحتى لا يدخل إلى نفوسنا خوف ولا جزع من انقطاع الرزق وأسبابه. استمعوا واقرؤوا هذا القسم المُغلَّظ من الرب العظيم بذاته العليّة على ذلك
” فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُون”. فهل تريدون ضماناً أكثر من ذلك؟!! فلا تجزعوا ولا يخطفنّ عقولكم شياطين الإنس الذين لا يتّقون الله في الناس ولا في الوطن.
وأبشّركم أيضاً بأن هذا البلد لن ينهار بإذن الله، فهو مبارك من الله لأنه بلد رباط ومن أكناف المسجد الأقصى الذي بارك الله فيه وبما حوله. وأن هذا البلد فيه من الخير والمحبة والتآخي ما يزيده بركة رغم الفساد والمفسدين فيه، وفيه الكثير من الخير رغم السرقات الخيالية التي تتم في السر والعلن. ألم تكونوا أنتم شواهد على هذا الخير؟ ألم تكونوا ممن أعطاهم الله فمدّوا يد العون إلى إخوانهم، أو كان البعض بحاجة فأغناه الله بإخوته وأخواته من أبناء هذا البلد الطيب؟
ملخص رسالتي في هذا العيد إلى كل أردني من أبناء هذا البلد الطيب أن نبتهج ابتداء بعيد أكرمنا الله به بعد شهر حافل بالطاعات والخيرات، ونقبل مكافأة الله لنا بالفرح، ثم أن نجتهد بالعمل والإخلاص فيه، وأن نحلّل لقمتنا، وأن نتسلح بالوعي وعدم الالتفات إلى غربان الشؤم، وأن ننظر إلى الكثير من الإيجابيات التي يمكن أن نجدها لو أمعنا النظر فيما يحدث ونظرنا إليه بمنظار العقل المتّزن والإيمان بالله واليقين بأن الذي خلق وهو الذي يتكفل بالرزق والأجل.
“قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ”

حفظ الله الأردن من كل شر وأدام المحبة والسلام بين أبنائه،،،،،،،،،، وكل عام وأنتم بخير

https://www.facebook.com/ProfATAlAjlouni/ https://twitter.com/Dr_AlAjlouni

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى