بناء الإنسان [ مسودة مشروع وطني ] / سهى عبد الهادي

بناء الإنسان [ مسودة مشروع وطني ]

بنظرة سريعة على عناوين المقالات اليومية والاسبوعية التي تنشر سواء في الصحف الورقية او على المواقع الالكترونية نلاحظ ان معظم هذه المقالات تعنى بتحليل الامور السياسية بالدرجة الاولى ولا اقلل من اهمية تناول هذا الموضوع خاصة مع وجودنا في منطقة حساسة ومليئة بالتعقيدات السياسية والتي تجعل هذا الموضوع كما الماء والطعام على موائد بيوتنا اليومية سواء المترفة منها او الفقيرة .
لكن بنظرة فاحصة وباحثة عن شئ بعينه نجد قلة وشح بالتركيز على موضوع مهم وحيوي جدا وفي هذه المرحلة بالذات من اوضاع مجتمعاتنا المتدنية على كل الاصعدة الا وهو ( بناء الانسان ) .
واعني هنا ببناء الانسان كل ما تعنيه الكلمه حرفيا فالبناء الذي اعنيه هو البناء القائم على اساسات وركائز واعمدة متينه تمكنه من تحمل ثقل المبنى نفسه بما يحتويه من جدران وارضيات وغرف متعددة ، وما يعتريه من عوامل طبيعية توثر به ، وما يتميز به من شكل خارجي يظهر براعة مصممه ، وبناء الانسان هنا لا يختلف كثيرا عن بناء الحجر فهو البناء القائم على تزويد الانسان بأساسات وأعمدة المبادئ والقيم الانسانية السليمة الراسخة التي تجعلنا كأفراد اقوى وأقدر على الثبات في مواجهة التحديات المختلفة كخط دفاع اول ، ومن ثم التزود بالمعرفة والعلم وحب الإكتشاف مما يساعدنا على الإرتقاء في افعالنا وردود افعالنا فكريا وانفعاليا واجتماعيا ليكون ذلك خط دفاعنا الثاني ، ثم نقوم بعد ذلك بإحياء هذا المبنى وهذه أهم خطوة بنظري في عملية البناء من خلال الترجمة العملية والفعلية لما تزودنا به من مبادئ وقيم وعلوم ومعارف ليظهر البناء بشكله الأخير على صورة سلوكيات وأفعال تعبر عن صاحبها دون ابتذال هش سببه ضعف الاساسات ، وما نحن بالنهاية الا بشر تكوننا مجموعة من الأفكار المشاعر والسلوكيات وكلما احسنا تغذية افكارنا تغذية ايجابية بناءة اصبحنا اقدر على إدارة مشاعرنا وانفعالاتنا بطريقة ناضجة وحضارية لتنتج سلوكيات صفتها الرقي قلبا وقالبا .
واعود الى آخر خطوة في البناء لأهميتها وهي ترجمة الفكر الى سلوكيات والتي اعتقد انها الجزئية التي تحتاج منا الى وقفة متأنية لدراستها والتركيز عليها فمن خلال متابعتي للعديد من الانشطة التي تقوم بها مؤسسات عديدة حكومية ومدنية وجدت ان هناك جهود كبيرة ومميزة تسعى لتقديم قاعدة ومخزون ضخم وغني من الأفكار والمعلومات التي تطرح بشكل محاضرات او افلام او مسرحيات او ورش عمل تعنى بقضايا تطوير الانسان وبناءه والارتقاء به ، لكن ما لاحظته ان ما ينقصنا هو كيفية تدريب الفرد وتزويده بآليات وطرق تجعله اقدر على تبني ما يسمعه ويقرأه ويشارك به ليصبح سلوكا حقيقيا ملموسا يتمثله في حياته اليوميه على ارض الواقع سواء في العلن او في السر ويمسي جزءا اساسيا من كيانه وليس مجرد واجهة زجاجية قابلة للكسر او قنبلة موقوته قابله للانفجار في اي لحظة ( ولا يخفى على احد ملاحظة كثير من السلوكيات وردود الفعل التي تنم عن جهل واضح رغم كثرة الشهادات العلمية التي تزين جدران مكاتبنا وبيوتنا ) .
في النهاية اتمنى ان نقوم جميعا بتبني مشروع ( بناء الانسان ) كمشروع وطني على مستوى الامه ولنركز كافة جهودنا عليه كل حسب قدرته وتخصصه ومكانه ووقته كمشروع لنا قدرة حقيقية للتأثير به وإدارته ، واقترح من باب الحرص والوعي والاهتمام بالمصلحة العامة وعدم فصل السياسة عن الحياة العامة على اعتبار انها الشريان الرئيسي الذي يضخ في كل القطاعات( والتي للصدق لا افهم معادلاتها او قوانين ملعبها وان كنت لا اعتقد بنزاهتها واستشعر محدودية التأثير الفعلي فيها ) أن تقوم فئه خبيرة منا بمتابعتها ، على ان تكرس جهود الاغلبية العظمى على بناء الانسان الذي سوف يتمكن فيما بعد من الانضمام الى تلك الفئة التي اختارها لإدارة اموره وحياته ، وبرأيي المتواضع اذا استطعنا التركيز على عملية ( بناء الانسان ) بكل تفاصيلها وجعلناها اولى اولوياتنا وبذلنا فيها اقصى جهد ووقت وهنا اعني نحن كأفراد بالدرجة الاولى قبل مؤسسات الدولة والتي لا اعفيها من المسؤولية على اعتبار ان المجتمع ما هو الا مجموع الافراد الذين يكونونه وصلاحه من صلاحهم ودون الاستسلام لمقولة لن يصلح العطار ما افسده الدهر فسوف نرى نتائج مذهلة تعم جميع نواحي حياتنا حتى السياسية منها وإن كان بعد حين وعندها فقط سوف يبدأ مشوارنا للامام دون ان نبقى على هامش الأمم .
قد يرى البعض بأن هذا المشروع ليس اكثر من خيال وحلم ولا ضير ألم يبدأ كل مشروع ناجح وجميل بحلم ……..والله المستعان .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى