« بلبقلها !!! » / د . ديمة طارق طهبوب

د . ديمة طارق طهبوب
كنا نسمع قديما عن نادرة ذلك الشيخ المعمم الذي جاءه أهل القرية يشكون إليه أن ابنته تلبس ثوبا يظهر من يديها أكثر مما يجب، فما كان من ذلك الشيخ الذي أخذ الدين مهنة للاسترزاق الا أن رد عليهم « بلبقلها » بقاف حلقية توكيدية مقلقلة، في إشارة ان ابنته جميلة وبذلك يحق لها أن تظهر جمالها!!!
كانت الطرفة موحية ان تلك الطائفة المسماة بالمشايخ قد تضل وتفتي بالهوى أو ترى لأنفسها وأقربائها ما لا يجوز للغير، ولكن الأخطر من ذلك انها كانت نبوءة مبكرة ان سيأتي نمط من الآباء يفاخر ويقر عرض واستعراض بناته لجمالهن أمام العلن دون ان تطرف لهم شعرة غيرة ولا حمية، بل ستزداد الامور سوءا الى درجة التشجيع والاستثمار بالشراء والمباهاة بالجمال والسعادة به، وتبرير تصرفاته بتلك الحجة اللاعقلانية؛ من أنهن شابات او»خلوهم ينبسطوا بحياتهم» «ملحقين عالهم والكمكمة»!!!
مشاهد غريبة وأخلاق طارئة فنجد الأم بنية «تنفيق» ابنتها وان يمشي سوقها تجتهد في إظهار كل ما قد يحمل على الاعجاب بها، والداهية كبيرة لو كانت المجالس مختلطة ولكنها لا تقل مصيبة حتى لو كانت مجالس نساء، فقد أخذ البعض هذه الحجة وتوسع فيها بلا حدود، وما ظل في الأمر عورات ولا حرمات حتى أمام النساء! فيا ترى هل يقتصر الامر على فستان حفلة ولباس وزي؟ أم ان الاخطر ما يتركه في نفس الفتاة من إيقاد واشعال للغرائز والافكار في سن يجب ان نعترف انه خطير في تشكيل الشخصية، ولا نبقى نقول ونبرر «بناتنا مربيات وولاد ناس» فكلنا يستطيع هذا الادعاء ولكن واقع الحياة يظهر ان هناك الكثير مما لا نعرفه عن بناتنا وشبابنا وحياتهم الشخصية، وهم ما زالوا يعيشون تحت سقوفنا!
تنظر الى الفتيات في المناسبات فتجد الملابس فاضحة بطريقة لا يمكن ان توافق فطرة سليمة؛ فهناك معايير للجمال والاناقة والذوق، وهناك فرق بينها وبين الابتذال!!!
ومن الغباء ان نفكر اننا نختار ملابسنا كيفما اتفق! اننا نختارها ولدينا صورة ذهنية كيف سنلبسها مع اكسسواراتها وملحقاتها، وأي أثر من التقدير والاعجاب او حتى الاستلاب والطيش نريد ان نتركه لدى الناظرين!!!
ان الملابس تملي علينا سلوكا في الجلوس والمشي وحتى التمايل، وأظن القراء والقارئات خصوصا رأين كيف ان ملابس الفتيات يرافقها حالة سلوكية وشعورية تظهر في الحفلات في الغناء والرقص، وكأن الواحدة من الصبايا تدخل في حالة تخدير وغيبوبة شعورية وهي تغني وتتمايل في حالة من اللاوعي!! هل الملابس إذن مجرد خرق وقماش ام أنها عامل خطير ومعهم في التربية والتوجيه؟
هل «نتحنبل» إذن ونضيق على الناس أنفاسهم أم نسير بمذهب الشيخ «البحبحاني» صاحب الطرفة ونركب الدين كمطية لاغراضنا او نتركه جانبا تماما؟! هل من الخطأ أن نحب الجمال وهل ذنب بعض الفتيات انهن خلقن جميلات فعليهن أن يعاقبن أنفسهن بمزيد من الستر؟! هل من الجريمة أن نحب ونُحب ونتخيل أنفسنا عرائس جميلات؟! بالطبع لا، ولكن ألا يمكن تحصيل كل هذا وزيادة بأجمل وأنبل صوره في اطار الحياء والعفة؟! كل الناس يقولون الزواج نصيب وقدر فهل النصيب مرتبط بالتسابق في العري كلما زاد زادت الفرصة بالزواج؟!

إني لأعجب من أم حنون تحرص على سعادة ابنتها في الدنيا ثم لا تحرص على أن تكون سببا في دخولها الجنة ونجاتها من النار!! اني لأعجب من أم تجتهد بيديها وأسنانها وكل ما أوتيت من قوة لتحصيل نصيب لا قوة ولا سلطة لها عليه، وتغفل وتهمل مصيرا آخر وضعه الله أمانة بين يديها، لتحسن تربية بناتها بأخلاق تجعلهن حوريات في الدنيا والاخرة!!!
في الغرب العلماني للعائلات الملكية قواعد في الزي تمنع نساء العائلة من إظهار أجسادهن ولبس الملابس الكاشفة كما العامة من الناس؛ لأن الملكات والأميرات لسْن سوقة لينظر إليهن من هب ودب، وهن يجب أن يزرعن الاحترام فيمن يراهن لا الرغبة والشهوة!
ديننا جعل من كل واحدة منا ملكة وأميرة ولكننا نأبى! فيا عجبا!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. تحية للدكتوره هبه طهبوب على هذه المقاله الرائعه. جزاك الله كل خير فأنت منارة اصلاح للمجتمع

  2. جزاك الله ألف خير يا دكتوره على هذا المقال الغني بالمعاني والدلالات

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى