بقرة هولندية

بقرة هولندية
رائد عبدالرحمن حجازي

بينما كنت جالساً بجوار والدي رحمه الله وإذ بالدكنجي أبو سلطان يقرع الباب مستأذناً بالدخول . ففتحت له الباب وجلس على الفرشة بجانب الوالد ومد رجليه بإتجاهي حيث كنت أجلس مقابلهما وقال لي : قوم عمو خليّ أمك تسويلنا طابق شاي (والمقصود إبعادي عن المكان ليخلو له الجو ) .على الفور تم إبلاغ رحمة الوالدة وعدت مسرعاً كي أعرف ماذا يريد , ومع أنه تردد في البداية إلا أن الوالد قال له سولف يا أبو سلطان هاظا بعده زغير ما بفهمش , وشو بدك؟
أبو سلطان : والله يا أبو الرائد قاصدك بشغلة بس بالله عليك لا تردني خايب , ترى ما رحت ولا أجيت إلا لعندك , لأني بعرف إنه سرّي ببير.
الوالد : قول ولا يهمك شو إللي بدك إياه؟
أبو سلطان : يا أخوي بدي خمسين نيرة قرظة وبسدك ياهن عن قريب بعون الله .
الوالد : ها لويش الخمسين نيرة مهي دُكانتك بتشتغل وما شالله عنك!
أبو سلطان : ما عليك مخبى بدي أشتري بقرة هولندية ونقص عليّ خمسين نيرة من حقها .
الوالد : يا زلمة وشو مبلشك هالبلشة ؟
أبو سلطان : يا أبو الرائد بقولوا البقرة الهولندية بتحلب كل يوم ثث دلاوة حليب . مش مثل البقر البلدي جعار بلا حليب مثل بقر الجولان , وبعدين (دِرّتها = أثدائها) هالقدة قدهم (وفتح باعيه على عرضهما) .
الوالد :ماشي يا أبو سلطان غد بكونن عندك بعون الله.
غادرنا أبو سلطان وأنا رحت أُفكر بشكل البقرة الهولندية فتخيلتها طويلة القامة بيضاء وشعرها أشقر وعيونها زرقاء كما هو الحال مع زوجة جارنا الألمانية .
اشترى أبو سلطان البقرة الهولندية ولم يكن يُخرجها للمرعى خوفاً عليها من أعين الحُساد , فقد بنى لها خاناً خاصاً بها وكان يومياً يُحضر لها الأعشاب الطازجة والعلف والماء , لدرجة أنه تعاقد مع طبيب بيطري ليفحصها شهرياً ويُقدم النصائح الطبية لأبو سلطان للمحافظة على صحتها .
أصبحت البقرة مزاراً لأهل الحارة وكان البعض يتودد لأبو سلطان بضُمة برسيم أو عبطة عُشب كهدية للبقرة ليسمح لهم بمشاهدتها بالإضافة لقراءة المعوذات بناءً على طلب ابو سلطان . فالجميع يريد أن يشاهد هذه الهولندية وبالطبع أنا أحدهم . ولكنني دُهشت عندما رأيتها لأول وهلة فلا هي بيضاء ولا شقراء وكل ما أدركته أنها بقرة كباقي الأبقار ولكن حجمها أكبر.
طبعاً أبو سلطان قام بسداد الخمسين نيرة لوالدي ولم يُنكر المعروف ففي كل ولادة عجل أو عجلة كان أبو سلطان يُحضر لنا سُلطانية شمنظور(إلبا أو حثيمة) كهدية بالإضافة لكميات من الحليب بين الفينة والاُخرى .
أقترح عل حكوماتنا الرشيدة والتي ترى فينا أبقاراً حلوباً , شو رأيكوا تعملوا مثل أبو سلطان أمّنوا لينا المسكن والمأكل والمشرب والدواء واخظوا منا الحليب كله ومسامحينكوا بالشمنظور بعد .
#رائد_عبدالرحمن_حجازي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى