بعض الذكريات لا تكتب

بعض الذكريات لا تكتب
نور الجابري

أفتش في هذي المدينة عن بعض البيوت القديمة ،تلك التي سكنها البسطاء كما نسميهم ،و حقيقة الأمر أنهم كانوا ذوي الحكمة ،لمحت مسنا و بدا لي كأنه في التسعين من عمره ، تقدمت اليه و اذ به ينظر خلالي كأنني طيف ،كنت قد كونت مجموعة من الأسئلة لأطرحها عليه لكنه اغمض عينيه و قال : لا تحاول أن تفهم ذلك الزمن ،أنت لازلت هنا في الحاضر و الغيوم التي مرت هنا بكت على ارض اخرى ،إبحث واقعك في المدن الجديدة ،لن تفهم كيف رُصّتّ الحجارة لكي تبقى شامخة في البيوت القديمة ، اذا شئت فاسأل الجدران بعد أن تزيل طبقات الدهان عنها ،اسألها عن تلك اليدين اللتين لامستها و إسال عن عودة الأب المتعب في المساء و كيف أضاء البيت بقنديلٍ إسّودَّ من تراكم دخان الالم ،إسال الجدران عن عجوزٍ كانت تروي شجرة التين و تتغنى اذا إشتمت رائحة الريحان في فناء منزلها و ذلك كان مقياس شدة الشتاء ،اذهب و إشتم عطر زهر الليمون ، إستمع لصرير رياح ضربت تلك الأبواب ،صمت قليلا ثم قال لي اتعلَّم يا بني ..هنا كانت تغطينا شجرة التوت و كنّا نستمع لصوت أي حافلة تمر و كنّا نميز صوت العصافير ،وكنّا ننثر القمح كي تجتمع الحمائم ،هنا القلوب الصافية و هنا نَبت العشب على صوت الأذان ، لم أعي كيف إنسابت الكلمات منه حين قال لي عُد الى مدينتك ، فعدت و أنا ابحث في الأزقة عن مكان أُلملم فيه دموعي علّي أروي بها ما بداخلي من شوقٍ الى ذلك العجوز و كلمات تروي زمنه ، حملت نفسي عائدا أفتش عنه فلم أجده ،وجدت المكان مقفر و خاوٍ إلا من جذع شجرة جاف ، بحثتُ فلم اجد قلمي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى