بعد ١٤ عام … أغلقت القضية!

بعد ١٤ عام، أغلقت القضية!
مريم الدجاني

أذكر أنني كتبت مقالا تحت عنوان: بصراحة، في بداية قضية جمعية المركز الإسلامي، و قد رفضت نشره ست صحف أردنية يومية و أسبوعية ، بحجة أن سقفه مرتفع، ثم نشره صحفي واحد في مدونته. لتغلق القضية اليوم بعد ١٤ عاما بقرار البراءة، وقد ضاع في هذه الأعوام ما ضاع ومات من مات، في لعبة أقل ما يقال عنها أنها سياسية بحتة.

فقد توفي والدي قبل ١٠ أشهر من هذا القرار، هو الذي كان رئيس مجلس إدارة المستشفى الإسلامي، وقد أفنى فيها جزءاً لا يستهان من عمره، وكانت غصة في قلبه حتى مماته، منذ أن بدأ فيها مديرًا فنيًا حتى أصبح رئيساً لمجلس إدارتها كعمل تطوعي، ولم يكن يوما سياسيا، بل مهنيا نقابيا. لتستولي الحكومة منذ ٢٠٠٦ على جمعية المركز الإسلامي، الذراع الخيري للإخوان المسلمين وواحدة من أكبر المنظمات غير الحكومية في الأردن، بينما يرتع ويلعب الفاسدون الحقيقيون سارقو ثروات الشعب ومقدراته، المتسلقون على ظهور الفقراء والمعدمين، أولئك الذين يحظون بالدعم الحكومي والحصانة القضائية. وقد تم استغلال قرار كف اليد ذاك للاستيلاء على الجمعية ومدخراتها، لتضيع جهود ٤٥ عاما في بضع سنين. والمتابع للشأن المحلي يلاحظ أن التاريخ يعيد نفسه مع قضية نقابة المعلمين، حيث يتم استخدام ذات التهم في بدايات القضايا لتسيير الاستيلاء على مؤسسات المجتمع المدني قبل إفساح المجال للقضاء المستقل ليقول كلمته الفصل و لكن بعد سنين، حيث لا يبقى هناك جدوى عملية من أي براءة.
بدأت القصة في أوائل عام ٢٠٠٦ عندما قامت وزارة التنمية الاجتماعية بتحقيق إداري ومالي في جمعية المركز الإسلامي واستغرق التحقيق مدة ٦ أشهر ثم سلمت الوزارة التقرير المتكون من ٧٠٠ صفحة تقريبا إلى النائب العام الذي حوله خلال يوم واحد من استلامه إلى المدعي العام الذي أصدر قرارا بكف أيدي الهيئة الإدارية المنتخبة للجمعية، وكان الأصل أن يستمر كف اليد لمدة ٦٠ يومًا ثم يتم انتخابات هيئة إدارية، ولكن للأسف منذ ذلك التاريخ يدير الجمعية هيئات حكومية مؤقتة، وهذا مخالف للقانون والدستور. ثم تم وضع ٢٤ اسما بما فيهم الهيئة الإدارية المنتخبة وبعض موظفي الجمعية ومؤسساتها على لائحة الاتهام استنادا إلى قانون الجرائم الاقتصادية الذي يستعمل عند احتمال وجود وثائق سرية أو أموال أو متهمين يخشى هروبهم ويتطلب السرعة في إصدار الحكم لخطورة القضية إلا أن القضاء الذي أحيلت إليه القضية أبقى ملف القضية عند المدعي العام لمدة ثلاث سنوات كاملة، قبل إحالتها عام ٢٠٠٩ لمحكمة البداية، وليس أدل من هذا على أن الهدف سياسي بحت من وراء الذي حصل. وأصدرت في حين إحالة القضية للقضاء وزارة التنمية الاجتماعية قرارا بتعيين هيئة إدارية مؤقتة لتسيير الأمور في الجمعية ومنحت الحق بالقيام بكل مهمات الهيئة الإدارية. وقد قامت الهيئة بحل مجالس هيئات الجمعية الإدارية في المحافظات بحجة أنها غير قانونية. و تم حل مجلس إدارة المستشفى الإسلامي أكبر استثمارات الجمعية و تم تعيين مجالس إدارية جديدة. ثم قامت بتغيير الإدارة التنفيذية لكل من الجمعية والمستشفى الإسلامي، وتغيير هيكلية الجمعية و ترتيباتها الإدارية. وقد انتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش ومجموعات نشطاء أخرين عبر السنين عدم حصول تحرك في قضايا فساد المركز المزعومة.

ليصدر قرار تبرئتهم بعد تأجيله ١٤ عاما، ليظهر الحق لتشهد المحكمة لمن أدار هذه الجمعية و خدمها بالأمانة و الشفافية و المصداقية و التفاني في خدمة المجتمع المدني، من خلال إعالة عشرات الآلاف من الأسر الفقيرة، و رعاية عشرات الآلاف من الأيتام ، و إنشاء المستشفيات و تأسيس صندوق المريض الفقير الذي عالج الآلاف من المرضى و المحتاجين، وإنشاء عشرات المراكز الصحية و المدارس و مراكز التنمية الاجتماعية في كافة محافظات المملكة. تلك الجمعية التي مضى على تأسيسها أكثر من ٤٥عاماً، لحين استيلاء الحكومة عليها، و التي أمّنها عشرات الآلاف من المواطنين على أموالهم و صدقاتهم و زكواتهم أكثر من أية مؤسسة أو جمعية أخرى!

فقد أصدرت محكمة التمييز الأردنية يوم ٢٤-٩-٢٠٢٠، قرارًا قطعيًا يقضي ببراءة جميع المتهمين في قضية الهيئة الإدارية لجمعية المركز الإسلامي الخيرية خلال العام ٢٠٠٦ من جميع التهم الموجهة إليهم، مؤكدة بذلك أمانة ونظافة يد ٢٤ عضو. و قد أثبتت المحكمة بقرارها هذا أن قرار كف يد الهيئة الإدارية لجمعية المركز كان خاطئًا في حينه، وأن قرار تحويل الملف بهذه التهم كان خاطئًا أيضًا، وأن هؤلاء الأشخاص من نظافة اليد بمكان فضلاً عن أنهم أمناء على المال العام. أما الذي حدث خلال ال١٤ عاما بالإضافة إلى استيلاء الحكومة على الجمعية، فهو وفاة ٣ من المحكوم عليهم ومن بينهم والدي الدكتور باسم الدجاني.
إن قرار البراءة هذا هو استحقاق للشعب الأردني، و لكل أولئك الذين بنوا هذه الجمعية و سهروا على تأسيسها لا يرجون من أحد جزاء و لا شكورا، و لكل الفقراء و اليتامى و الأرامل و المرضى الذين خدمتهم الجمعية لمدة ٤٥ عاما، قبل أن يتراجع أداؤها منذ استلام الهيئات المؤقتة لإدارتها، زيارة واحدة للمستشفى الإسلامي اليوم تكفي لملاحظة أن الهيئات الإدارية التي عينتها الحكومة منذ ٢٠٠٦ قامت بهدم كل ما بنوه، وغيّرت روح المستشفى و قوّضت الفلسفة التي أُسّست عليها، بل و عملت جاهدة على إخراج كل الكوادر التي حملت رسالة المستشفى وساهمت فيها منذ التأسيس، ليظهر ذلك في تراجع المستوى الطبي بشكل واضح. لذا نحن بانتظار أن يعود الحق إلى نصابه والأمور إلى مجراها الصحيح، وتعاد الجمعية إلى إدارة منتخبة، وكل ما تم اتخاذه بحقها من إجراءات يجب أن يرد ويعتبر باطلاً، حتى تأخذ الجمعية مكانها الذي كانت عليه قبل سنوات، في خدمة الشعب الأردني ورفد العمل الخيري والتطوعي.

و أخيرا، إن قول الحق واجب غير مشروط في كل الظروف والأحوال، كما قال عمر أوزجان الذي كان سكرتيرا عاما سابقا للحزب الشيوعي و مفكرا ماركسيا مشهورا في إفريقيا، عاد إلى الإسلام عن وعي ، وكتب عمله العظيم ( أفضل الجهاد ) الذي استوحاه من الحديث النبوي الشريف ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) . لكن مشكلتنا تكمن في أن الطغاة كلما توغلوا في التفنن في سلب الحقوق والحريات كلما يستكين الناس أكثر، وبالتالي فإننا كلما سكتنا على ذهاب حق من الحقوق أيا كان، كلما زاد عدد الحقوق التي تنتزع منا. لأن تسارع انتزاع الحقوق يعتمد على قوة مقاومة المسلوب وثورته وتمسكه بحقه ورفضه للظلم. إن أي تنازل عن حق مهما كان صغيرا إنما هو نكسة لنا في مسيرة استرداد حقوقنا، وعون للظلمة. فاللهم لا تجعلنا أداة في عون الظلمة!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى