حدّق … أتذكر من انا ؟ / محمد الحراسيس

حدّق … أتذكر من انا ؟

البعض يظن الوطن حدود تحجز داخلها خارطة مكتوب بها بعض الاسماء ؛ مدن وجبال … سهول يتخللها ما شاء الله من الاشياء .. الوان مرسومة فوق ظلال الورق الاصفرفي الغالب .. كذبات للتاريخ وخطوط فوق اخرى صارت اوطانا …والبعض يقدس خط الاستحواذ وذاك يمجد خط العودة للمجهول ، والبعض يرى بالخط المائل رمزا للفطرة …. وهذا يظن وطنه جميع ما كتب بخط الرقعه ..!.

وهناك من تجد وطنه الارض التي يغار عليها كما يغار على زوجته .. ويهبها صحته وصحة أبناءه من بعده … فهي الوطن الذي يبادله الامان ويعطيه الملبس والمأكل ويجود الله بماءه حينا ما ليعيد طبيعة دورة هذا الوطن المكتظ بسكانه وخيراته … كملاك حط على أرض يبحث عن عاص ولا يجده .. فالكل هنا آمن بالله منذ قرون ولم يعد من دعوة … فالراحة تهبط في نفس المبعوث و يظن بأن لا سبب لتعجيل العودة وتتملى روحه من طيب جنان الله الارضية ويفقد برزخه الموعود

وحبذا لو كان جوادا كألهي وسمح لطرق نهير بعتبة بابه وأذن له أن يدخل يروي ظمأ المنفي لبلاده .

مقالات ذات صلة

اوهام وخيالات .. اسماء ودويلات ولكنها تبقى بعيون الصحب وإن هجروا .. اوطان ، يبقى المعنى من كلمة وطن هو ذات المفهوم ، توطين النفس بكل أمان لهذا الحضن الدافئ .. هكذا هو وطني أشعر بأمان رياحه وطمأنينة اعصاراته .. اعشق بالسهو سكونه وافكر كم يتبسم حين افاجئه بمراقبتي لنسيمه يغدو من نافذتي حين يطيب له همسات مساء …. وطني قطرة ماء عذب كدّر بعض الصفو بأقصاها بحر من أزمان غابرة لا يفقه معنى أن العمر له سلطان … وطني هو نوم الطفل بهدهدةٍ دون بكاء … وكأنه قديس حطّ ببابل فاستيقظ في عدن ورأى نفسه يرعى اغنامه بالقدس وحين غروب كان نبي يطوف بمكة يدعو… وكل مساء هو روح من وحي الله لا يعلم كنهه احد ولا يعدو الامر شروق وصباح … وطني اقصوصة شوق طالت اسطرها بين قلوب احبة لا تعلم كيف يكون العشق رواية وكيف يكون لها خاتمة ونهاية .. عشق ممتد منذ البدء بل قبل البدء بعشقين مضو ولا زال يمر بحالة عشق … وطني لا يعرف معنى الكره لا يفهم معنى الكره لا يدرك حالة كره كيف تكون … وطني بالفطرة من قلبه اشتق الله صفة حنون . .

وطني تمثال من مرمر نحتته عيون حالمة ذات خليقة تأمل إن عم الارض سلام أن تهنأ بحياة هادئة ونفخت فيها من كل الخير بذاك القلب وصار المرمر ينبض سلام الروح إن حطت بالقرب حمائم لا تعرف معنى الاوطان .

وطني كما الكل له أوطان هو لي وطن أغفو في هدأته .. يسهر في سهري ولا يغمض إن سافرت … يرفعني نحوه ، يدنيني من قلبه يغمرني دفؤه بضع لحاظ ، في مرضي هو ساهر يأبى أن يرقد حتى يصلح معضلة الفاها الناحت إذ تسقط اعوامه عن كتفه .

وطني ليس يدافع عن ذاته حين اليه يُساء محب لجميع الخلق رغم تضارب كل الآراء ، كبير وقوي رمز لعطاء العمر لم يتكرر منذ خليقة ذات مساء ، هو نور يسكننا ونضيء به عتم ظلام النفس … يصنعه طيبا او بسمة لا فرق فهذا الوطن ضحوك ومن ثغر تبسمه تجد يقينك لربك اقرب .

ها عدت اراك كما كنت شمسا طودا تحلق فوق رماد نثرته رياح العمر … توحدت بذاتك بذاك وقارك اجتمع بك ما ليس يجيز لحامله ان يدرك من دونه بعهود … صرت تراكم اعجاز لا ينطق ، يعض على بعض جراحه يقيل عثرات عياله يعرفهم ويعلم ألم فراق المرء لبيته فيضم الجمع بحضن الدفء .. ينظر لبعيد يغيب بذاك السر ويطوف على مرآه عديد امور لا تحدث .. تتداخل صور من ازمان مختلفة .. شيء من ماض يتبعه علم بالغيب … وأصّدقه فالوطن هو الام وقلب الام وحي صادق … فكيف بأم عاشت وطنا ؟ إن خالفها رجم بالغيب وجاءت احداثه بغير ما قالت كنا نعلم ان الغيب يخالف أمر عقيدته فالام لها روح لا تعقل و حاشا أن تخطئ في خبر فهي تعلمنا معنى الاوطان .

ها عدت اراك كما كنت صبرا على كلل السنين جلدا على ايذاء عمر قد تمرد ، تتنازع الثورات رأسك دون راحة للجسد المثقل بالورود ، من بعد غزو العالمين من بعد كل حروب ردتهم على دينك .. من بعد أن صبأ الذين تعاهدوا أن يعبدوا ذات الامومة في محاريب الوطن … لم يبق للدين الذي اوردتنيه وحفظته في لوح قلبي غيرك وتيه الوطن .

ها عدت اخبر كل ركن في حديقتنا عن طيب فعلك حين اشفقت على ريحانة وحنوت لأجل ورد كي يعيش … لا زال الليمون في زاويته يذكرك وإن اختلف ثمره وكذلك الياسمين ، ماذا ستخبرني الازاهير التي عمدتها برقيق لمسك، ما كان رد الزهر غير الصمت ..

ها عدت احادثك وأسألك هل تذكرين .. وتجيبني بالحيرة نظرتها المسافرة بين عرش للزمان ومجلس للحالمين وأحاول التنبيه تارة أخرى ..لا زالت في ذاك الحنو تخشى بأن يهتز في ضلع لدي القلب .. تكابر عمق السنين و ضرب من العهود .. وتذكرني كما أرادت أكون …

ها عدت اسأل … رب المكان والكواكب و النجوم ..

أم النجوم انا هنا حدّق …أتذكر من أنا ؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى