الحكومة العراقية : بين عُقدة التشكيل وعوامل التصعيد

الحكومة العراقية : بين عُقدة التشكيل وعوامل التصعيد
د.كمال الزغول

إن عقدة تشكيل الحكومة في العراق انتجتها التدخلات الخارجية، والأطماع الاقتصادية ،والإمتداد الأيدولوجي ،مما جعل من العراق مسرحا لدول هربت من التقصير في بلدانها الأم لنهب خيرات غيرها في ظل الحروب المتعاقبة التي مرَّ بها العراق والتي نتج عنها عوامل داخلية وخارجية جعلت من تفكيك شيفرة المعاضل شيئا معقداً للغاية.
فمن الواضح أن العامل الخارجي يشترك في تأجيج وتصعيد وتعقيد المشهد العراقي كما هو العامل الداخلي الذي تشارك في ارباكه المليشيات غير القانونية التي تعمل على الارض بشكل فاعل، وهذا العامل الخارجي يتمثل في المنافسة الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، ومن هذا المنطلق ،فإن نجاح أي رئيس وزراء عراقي قادم يعتمد على عدة عوامل .اولاً، الفهم الجلي والواضح للعمق الإقليمي المؤثر ايدولوجياً في العراق، ثانياً، الوفاء بمطالبات المتظاهرين واعطائهم حقوقهم وضمان المساواة بين المواطنين والحفاظ على الهوية الوطنية العراقية ،ثالثاً، فهم استراتيجية السلطة “البرايمرية” المتمثلة في الوجود الامريكي في العراق للتخلص منها، رابعاً،ضمان الدور الفاعل لجميع مكونات الشعب العراقي والأخذ بكفاءاتهم.وبناء على تلك العوامل، سيتعامل العراق مع اثنين من عوامل التصعيد المهمة، التصعيد الذي قد ينشأ من الداخل والتصعيد الآتي من الخارج.وبالتالي سيكون مدى قدرته على ابعاد الصدام بين الطرفين خطوة متوازنة للإنطلاق في برنامجه الحكومي.
بالنسبة للمشهد الداخلي الصاعد المعقّد في العراق ،لا يمكن فك رموزه الا من خلال تطبيق القانون على الجميع، وجعل القوات المسلحة تسيطر على جميع الارض العراقية، بحيث تُسحب الاسلحة من المليشيات غير القانونية، واستقلال القرار السياسي الوطني باتجاه البناء وعدم التضحية بالنيابة عن دول أخرى في الاقليم .
أما فيما يتعلق بالتصعيد الآتي من الخارج ، فقد نتج ذلك من الوجود الامريكي وآثاره العكسية، حيث تَوجه العراق الى الصين من أجل بناء الصناعات البترولية، والذي بدوره سيخلق اجواء غير متناسقة بين المعسكر الشرقي الجديد وهو الصين وروسيا من جهة، وبين المعسكر الغربي المتمثل في امريكيا واوروبا من جهة أخرى. ولذلك العراق الخارج من الحروب لا يمكن أن ينهض بدون اجندة وطنية بحتة تضمن التوازن في العلاقات الدولية في الخارج وادارة الملفات في الداخل، وتضمن سيادة القرار العراقي واستقلاله.
وللتوضيح أكثر،فقد شهدت الفترة السابقة توقيع الحكومة العراقية تعاقدات بترولية في ٨ أيار ٢٠١٩ مع الصين وخاصة العقد الذي تم توقيعه من قبل الحكومة مع شركتي بتروتشاينا و شركة CPECC الشركة الصينية للهندسة والانشاءات البترولية، بحيث تُطور الأولى حقل حلفاية النفطي في محافظة ميسان جنوب-شرق البلاد، وتستثمر الثانية الغاز المصاحب له ،وهذه الشركة تسعى لإبرام عقد ابدي مع العراق ،ولذلك قامت ببناء مطار خاص لها في قضاء الكحلاء شرقي ميسان .
قد تكون امريكا اغفلت الاهتمام بهذه الشركة وعملها قبل أزمة فايروس كورونا لأن الاقتصاد الامريكي كان في صعود متزايد ، وبما أن فايروس كورونا ضرب الولايات المتحدة الامريكية في اقتصادها، فقد تبدأ اعتماد سياسة تعويضية والتقليل من منافسة الصين على ارض العراق، والذي قد يخلق مسرحا تأجيجيا صاعدا إن لم تدرك الحكومة العراقية خطورة الموقف وتحدث التوازن المطلوب لايجاد حل لسيناريو الداخل بالتوازي مع علاقات دولية للتعامل مع سيناريو الخارج، وعليه فإن مهمة رئيس الوزراء العراقي القادم صعبة وشاقة وسيتحمل الشعب العراقي التحوّل الذي سيحدث بعد ازمة الركود الاقتصادي في العالم إن لم تكن هنالك قيادة فذّة تقود المرحلة القادمة.
الخلاصة،أي رئيس وزراء عراقي قادم ، مشكلته مع عقدة تشكيل الحكومة القادرة على التعامل مع الملفات الساخنة بعد التشكيل لتجنب التصعيد على ارض العراق وايجاد ارضية حل واضحة للملف الداخلي والمتمثل بالتدخل الايراني، والملف الخارجي وهو ملف معقد خاصة في فترة ما بعد كورونا ، بحيث اصبح العراق نقطة البداية لتشكّل الحرب الباردة الجديدة التي ستنشأ على ارضه في ظل الركود االاقتصادي الذي بدأ يشهده العالم الآن .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى