العنف المنبري / يسارخصاونه

العنف المنبري
كثرت في الفترة الأخيرة ندوات ومهرجانات حول العنف والتطرف في أندية القرى الأردنية والمدن الصغيرة ، واستدراج أسماء لها بريق وظيفي أو إعلامي أو مالي وبالمقابل إطفاء بريق المفكرين من أساتذة علم الاجتماع والانثروبولوجيا والاقتصاد والسياسة ، ومن الطبيعي الحضور من رجالات القرية دون نسائها ، وهؤلاء هم التلاميذ لهؤلاء الاساتذة
اعتادت الشعوب منذ آلاف السنين على سماع خطب الكهنة الذين لا يرحمون في طلباتهم من أجل الآلهة ، واعتاد المسلمون على سماع خطبة الجمعة منذ عهد محمد عليه السلام وحتى زمننا الحاضر ، وقد اعتلى هذه المنابر ملايين الخطباء منهم من جلد مستمعيه ، ومنهم من رأف بهم ، ولكن لم يصمت أحد ، واعتادت الشعوب منذ آلاف السنين على سماع خطب رئيسها الذي يجلدهم بقراراته المفاجئة والصارمة ، أو يرأف بهم ، واعتادت الجنود منذ آلاف السنين أيضاً على سماع خطب القائد ، يجلدهم بخطبة حماسية يموتون بعدها ويبقى القائد حتى يستعد لخطبة جديدة لجند جدد ، ولم نعتد أن نجعل للعقل منبراً نستمع إليه
عرف الإنسان المنبر منذ أن عرف الكلام ، واستطاع الفلاسفة اليونان توظيف الأرصفة كمنابر لتثقيف العامة ، وفكرت الأعراب بتوظيف الأسواق كمنابر لشعرائها ، وقد أفلح الاثنان في ما ذهبا إليه ، واليوم في عالمنا العربي اتخذت أفواهٌ وحناجرُ كثيرة الفضائيات للصراخ والتهويل ، محبة في الظهور ، وكثرت المنابر الصحفية والفيسبوكية ، والإذاعية حتى أصبح لكل عشرة مواطنين خطيب ، الكل يتسابق للقول ، وقليل هو عدد السامعين ، فارحمونا من هذا العنف المنبري ، ولنا في الشيخ الجيلاني عبرة فقد عُرف عنه أنه أفضل من اختصر خُطب الجمعة ، ومن إحدى خطبه أنه صعد المنبر وقال : “لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع ..و خير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع ..وخير ممن قام لله ساجدا راكع ..و خير ممن جاهد للكفر بسيف مهند قاطع وخير ممن صام الدهر والحر واقع ..و إذا نزل الدقيق في بطن جائع كان له نور كنور الشمس ساطع فيــــــا بشرى لمن أطعم جائع “..ثم صلى بالناس…
نحن بحاجة إلى الكلمة الطيبة حتى نتّبعها ، بحاجة إلى خطيب يرشدُنا ، بحاجة إلى حوار نصل معه إلى الحقيقة ، لكننا لسنا بحاجة إلى منابر فرسانها خشب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى