#الکتابة_في_زمن_الکآبة

#الکتابة_في_زمن_الکآبة
شبلي العجارمة

وکأن أقلامنا هي خلطة السماد السحرية التي ترعرع عليها الفساد بکل أشکاله وألوانه ورواٸحه ,نکتب وکأننا نکتب لمخلوقات الفضاء لا لسکان الأرض ولا لشعوبٍ أعادها الاستبداد والاستعباد إلی زمن الرقيق والسخرة وتاريخ الصفر البشري ,لقد مللنا من صباحاتنا التي فاضت بالبوح وکرهنا حتی تبجحاتنا أمام شعبٍ لا يقرأ لا يسمع ولا يری ,فقط يمارس موهبة التنفيس في تعليلةٍ مغلقة ,أو أمام زوجته وأطفاله الذين يمارس عليهم هذا الأب کل ألوان سلطة الفساد والاستبداد والظلم بصورةٍ طبق الأصل عن فساد رجالات الدولة وتعفن مٶسسساتها وانهيار إدارتها ,فنجد الأب يقوم بتعيين أفجر الأبناء جاسوساً علی البيت ,ويعطي من أرضه لأبناٸه الذکور في حياته ليتفشخروا بينما البنات هن وديعة في رقبة زوجٍ کادح وخاطبٍ فقير وباحثُُ عن نصف دينه متعثر ,والزوجة ذات الصولجان أوامرها لا نقاش فيها ورغباتها أوامر تصل لحدود الفرض ,بينما الأم مجرد فضلة من الوقت وفضلة من المال وفضلة في أطراف الرحلة إن کان لها متسع في مقعد السيارة الأخير .
الجميع ساسة والجميع منظرون والجميع ضحايا ,والکل يتجنب ظهور اسمه سواء في تعليق أو إعجاب عند أحد الکتاب الحادين خوفاً من عدم تمکين ابنه الذي يعرف هو في قرارته أن النهاية لسلمه الوظيفي محتومة والنتيجة الأکثر من متواضعة معروفة .
المرشحون والنواب علی حدٍ سواء ,ينادون بالحرية والديموقراطية ,ويلوحون للحکومة بالعصا القاسية إذا ما وصلوا لکنهم في حقيقة الأمر وعند حزها ولزها کما يقال يکتفون بعبارة نحن نتابع بصمت ويعجبنا ما تنشر لکن إنت تعرف !,وخلف هذه العبارة “إنت تعرف”تستتر الوجوه التي ستفضحها الامتيازات والخنوع والتوقيع عن الشعب ببيعه للسلطة التنفيذية المستبدة عند أول عرضٍ مغرٍ ومقبول .
التذمر من المقال الطويل والتبجح بالثقافة الواسعة للمتلقي هو العذر الأقبح من الذنب والانفصام الذي لا عودة عنه حتی لدی أعتی أطباء النفس ومحضري الأرواح ,والمقال القصير الحذر من مغبته أن يکون ملغوماً ضد حکومةٍ ما سيلغي تمکين فلان في طموحٍ ما وسوف يستبعد نجاح المترشح الفلاني ويقلل من فرص الفوز والوصول وربما سينسف کل الوصولية المتسلقة .
لذا کم خامرني الشك بعقم أقلامنا أو عقورة صفحاتنا ,ولربما شککت في خلفياتنا الثقافية أنها لم تکن بالمستوی المطلوب ,وکم بتُ انهزامياً كلما خربشت فکرة لمدة ساعتين عدت ومسحتها في غضون لحظة ,لأن الحراثة في الصخر ضربُُ من الحمق ,ولأن تطويح البذار في العراقيب هو خبلُُ ما بعده خبل , لذا باتت مساحات الشعب أکثر بوراً وأنکی شوکاً وأقسی تضاريساً.
تحدثنا عن الفساد مطولاً ومارسناه ,وذممنا الواسطة والمحسوبية وکلنا اللوم بالصاع علی من کفر بها ,وجعجعنا بشعار الرجل المناسب في المکان المناسب وعندما تم تکليف أو تعيين بعض الفشلة الذين تربطنا بهم بعض العلاقات الشخصية أحرقنا کل وساٸل التواصل الاجتماعي بعبارة “بکم تزهوا المناصب”,هذا نحن وهکذا سنکون ,نسب الحکومة في السر ونسحج لها في العلن , نتجرع حنضل رعاة الفساد ونهتف بکل إنجازاتهم الهشة .
حتی تشکلت وطنيتنا علی هيٸة أغنيةٍ وطنية تتلاشی في خضم شجارٍ مع زوجاتنا علی مصاريف البيت,أو مجرد علم نرفعه فوق سياراتنا خوفاً بل ورعباً من رجل شرطة السير وعند أول هبةٍ للريح تتدحرج الوطنية ولا نتوقف لرفع العلم بحجة أن الوقوف في منتصف الطريق سيشکل کارثة أکبر من کارثة سقوط العلم ,ولعل أنکی صور الوطنية هي صورة لاصقة نضعها علی الزجاج لحفظ ماء الوجه أمام إحدی نقاط الغلق وعندما يحين موعد الترخيص سنجد رجل الفحص الفني يۣكتب علی نموذج الترخيص ملاحظة وجود ملصقات علی المرکبة تحجب الرٶيا ويٶجل موعد الترخيص لإزالتها,ثم نسکب عليها الماء الحار للتخلص منها .
لقد أخذت الشعوب معارفها من الکتب وسطرتها عبر الصحف وبواسطة الأقلام ,وأعادت تقييم أوطانها وتقدير مسافة العلاقة ما بين أبعاد الوطن للرٸيس والمرٶوس والشعب والجندي ومقدرات الوطن , وصححت المفاهيم المخطوءة وعززت القيم الإيجابية ونبذت کل وساٸل التشويه والتعکير والتأخير والإعاقة ,لکن الشعوب التي لا تقرأ ولا تتبع أقلام أحبارها سوف تتيه في غياهب الصدفة وستنحرف عن سکة الحضارة وسوف تقبع في کهوف الظلام والخذلان واليأس .
فعيون الشعب إن لم تکتحل من رصاص القلم سوف يرمدها بريق الذات والخوف والبحث عن الأنا حتی أسوأ درجات الکفاف والعمی !.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى