الوزير السابق “احمد ذوقان الهنداوي” يكتب : سياسة غير حكيمة

كتب الوزير السابق أحمد ذوقان الهنداوي مقالا وتحت عنوان “سياسة غير حكيمة ” خص به موقع سواليف وتاليا نصه
سياسة غير حكيمة
بقلم: د. أحمد ذوقان الهنداوي

إن الاستمرار في سياسة رفع الضرائب والرسوم بشكل مستمر، واعتماد الحكومة، أية حكومة، على هذه السياسة كتوجه استراتيجي رئيس في سد العجز في الميزان التجاري وتمويل نفقات الحكومة التشغيلية والرأسمالية، لهي سياسة تفتقر إلى الحكمة وتخلو من النظرة الشمولية بعيدة المدى ولا تنظر بعين الرعاية والعناية الكافية لأبعادها وآثارها الاجتماعية والأمنية المتراكمة، هذا ناهيك عن تبعاتها الاقتصادية الكارثية قصيرة وبعيدة المدى.

ونستون تشرشل، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي قاد بلاده في أحلك الظروف وأصعبها، حرب عالمية كادت أن تدمر بلاده تدميرا كاملا، وبعد تحقيق النصر، أعاد بناء بلاده، ابتداء من نقطة أقرب ما تكون إلى الصفر، في ظل ظروف اقتصادية غاية في الصعوبة، قال بأسلوبه التهكمي المعهود: “إن أية حكومة تعتمد بشكل رئيس على الرفع المستمر للرسوم والضرائب على مواطنيها في سبيل تحقيق التنمية الوطنية، هي كالشخص الذي يقف داخل “سطل” كبير (والمقصود به هو الوطن) ويحاول جهده أن يرفع هذا “السطل” من ذراعه. “ألسطل” يستحيل أن يرتفع، فإما أن يتعثر الشخص (الحكومة) ويسقط، وإما أن يثقب “السطل”….

جوهر القضية ولبها بسيط جدا ولا يحتاج لجهابذة الاقتصاد لفك وسبر لغزه. فالطبقة الوسطى في أي بلد لهي المحرك الرئيس لأي عملية تنمية إقتصادية واجتماعية فيه، وإن المشاريع الصغيرة والمتوسطة، سواء أكانت تجارية أو صناعية أو خدمية، لهي المشغل الرئيس لليد العاملة الوطنية، فهي بذلك يجب أن تكون محور جهد الحكومة وسياساتها وقراراتها لما تشكله من الحل الأمثل والاستراتيجية الأنجع لحل مشكلتي الفقر والبطالة، وخاصة فيما إذا ما قامت هذه المشاريع بتعزيز تنافسيتها وتوجهت للعالمية…. فالحكومة برفعها المستمر للرسوم والضرائب فإنها إنما تعمل بذلك على خنق الطبقة الصغيرة والمتوسطة، ولربما إلغائها جملة وتفصيلا، مما يضعف من قدرتها الشرائية وبالتالي يحد من قدرتها على المساهمة في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني. ليتكون المجتمع حينها من طبقة مخملية قليلة العدد (نسبة لعدد السكان) ولكنها تحتفظ بيدها بمعظم ثروات الوطن لتنفقها خارج الوطن، وأغلبية متقعة الفقر لا تقوى على توفير قوت يومها. بالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذا الرفع المستدام للرسوم والضرائب سيقضي على أية فرصة لظهور مشاريع صغيرة ومتوسطة جديدة، وسيخنق ما وجد منها وتمكن من النجاة لغاية الآن وسيحرمها من أية فرصة لتحسين نوعية انتاجها من سلع وخدمات وبالتالي تمكينها من المنافسة الناجعة داخليا وخارجيا. فتتفاقم البطالة ويتفاقم الفقر. هذا كله يشكل وصفة كارثية لإي وطن. وصفة تساهم في سلب المواطنين كبريائهم وكرامتهم. وعندما يحدث هذا، تتزعزع ثقة المواطن بنفسه ووطنه الذي لطالما فداه بالغالي والنفيس وضحى من أجله طوال حياته.

ألمعارضة لمثل هذه السياسات هي معارضة طبيعية ومنطقية وفطرية، والردود الحكومية عليها ستكون جاهزة. سيقولون لكل معارض لمثل هذه السياسات الحكومية أن نظرتكم غير حكيمة وسطحية، فكيف يمكن لنا أن نغطي العجز في الموازنة وكيف يمكن لنا أن نغطي رواتب الموظفين. ونقول لهم إن نظرتكم أنتم هي من تفتقر إلى الحكمة وبعد النظر وأن إستراتيجيتكم هي الخاطئة. فهي لم تساهم إطلاقا في معالجة مشكلتي الفقر والبطالة، بل على العكس تماما، فقد ساهمت في تفاقهما وبشكل كبير خلال السنوات الماضية. فالمديونية الداخلية والخارجية تضاعفت خلال سنوات قليلة من 15.3 مليار دينار عام 2012 إلى 22.2 مليار دينار عام 2015. أي أن مديونية الأردن خلال الأربع سنوات الأخيرة قد زادت بنسبة 50% عن إجمالي مديونيته خلال الأربعة عقود التي سبقتها. طامّة كبرى ورّطتم الوطن بها، وستدفع الأجيال القادمة ثمنها. فاجعة لا تستوجب الإقالة فحسب بل تستوجب المساءلة والمحاسبة. بالإضافة إلى مساهمة سياساتكم في تراجع تنافسية الأردن العالمية وفق تقرير التنافسية العالمي من المرتبة 50 عام 2010 إلى المرتبة 64 عام 2015 من أصل 140 دولة. علما بأن هذا المؤشر العالمي يشمل كافة محاور ومكونات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من الإدارة الحكومية والبنية التحتية واستقرار الاقتصاد الكلي والصحة والتعليم الأساسي والتعليم العالي والتدريب وكفاءة وتطور الأعمال وسوقي العمل والمال والجهوزية التقنية والإبداع والابتكار. هذا في الوقت الذي يحصد فيه أشقاؤنا في المنطقة مراتب متقدمة وينتقلون من نجاحات إلى نجاحات أكبر بفضل رؤية قياداتهم وإدارتهم الناجعة لشؤون أوطانهم… هذا هو “إنجاز” حكومتكم.

ومن المرجع أنهم سيقولون أنكم “تعدون ألعصى” و “من يعد العصى ليس كمن يذوقها”. ونقول لهم أنكم أنتم من تضربون العصي ومن يعدها. أما نحن فمعارضون لسياسة “الضرب” (ألرفع المستمر للرسوم والضرائب) أصلا جملة وتفصيلا.

ومن الأغلب أيضا أنهم سيعزفون على وتر الظروف الإقليمية بالغة الحساسية وبالغة الخطورة في محاولة إسكات وقمع أي صوت معارض، محاولين إظهار من يخالفهم في الرأي بأنه غير مدرك لخطورة الموقف. ونقول بدورنا أننا نعتقد جازمين بأنكم أنتم من لا يعي هذه المخاطر والتهديدات. أما نحن، فإنه من منطلق وعينا الكامل لخطورة ما يحدث في دول الجوار والتهديدات التي تواجه وطننا الحبيب، فإننا نرفع صوتنا في وجوهكم بأن سياستكم غير حكيمة إن لم تك خرقاء. وأن الاستمرار في مثل هذه السياسة بتعنت ودون الالتفات للأصوات الأخرى المنادية للعقلانية والتريث يمكن أن يقودنا لمرحلة “الآن فهمتكم” لا قدر الله.

وربما يقولون لمعارضي هذه السياسات كلامكم داخل الحكومة (إذا سبق وأن شاركوا فيها) مغاير لكلامكم وأنتم خارجها، ونقول لهم أنتم مخطئون. فلطالما نادى كثيرون للتحفظ على سياسة رفع الرسوم والضرائب على المواطنين، سواء أكانوا في مواقعهم داخل الحكومة أو خارجها. فأنتم إما لا تعرفون ذلك أو تعرفونه ولا تودون إقراره.

ومن المؤكد أنهم سيقولون “أتونا بالبديل” و”لو كنتم مكاننا فماذا أنتم فاعلون؟!”. مجرد سؤالكم هذا يفقدكم الشرعية والمصداقية والثقة … فأنتم “أصحاب الولاية” (أو هكذا تدعون) وليس الشعب الذي ابتلي بإدارتكم لشؤونه. بالإضافة لذلك فإن مثل هذا السؤال سيؤكد عدم الرشادة في إدارتكم الحكومية ومدى عجزكم عن التفكير بشكل خلاّق لإيجاد حلول مبتكرة إبداعية للتحديات التي تواجه الوطن. ونقول لكم الحلول متوفرة لو توفرت لديكم الإرادة الحقيقية والقدرة الخلاّقة الإبداعية للتفكير “خارج الصندوق” وللتعلم من تجارب الآخرين وتطويعها بما يعكس خصوصية الوطن. تجارب ماليزيا وسنغافورة وتايوان وتركيا ودبي ماثلة أمامكم. وفيها الشيء الكثير الذي يمكن أن تتعلموا منه (غير رفع الرسوم والضرائب). سياسات ناجعة لتطوير وتميز الأداء المؤسسي الحكومي وتخفيض التكاليف الحكومية من خلال مكافحة الترهل الإداري وزيادة كفاءة وفعالية الأداء الحكومي وتجذير ثقافة الإبداع والابتكار فيه، بالإضافة إلى تخفيض وإزالة كافة الرسوم والضرائب عن الطبقة الوسطى والفقيرة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة وتوفير كافة الحوافز المادية والفنية والمعنوية لها لتعزيز تنافسيتها العالمية. يضاف إلى ذلك مساهمة أثرياء الوطن في تجاوزه لمحنته، سواء أكانوا مسؤولين حاليين أو سابقين أو من القطاع الخاص، قاموا جميعا بجمع ثرواتهم من خير الوطن وعليهم الآن، وبشكل مباشر وغير مباشر (من خلال مسؤوليتهم المجتمعية)، المساهمة الرئيسة في تمكين الوطن من مجابهة التحديات التي يواجهها بنجاح وصولا إلى بر الأمان.

إن إدارة الوطن بعقلية وذهنية مدير عام موازنة لهي إدارة محدودة الأفق وغير راشدة وغير حكيمة وتفتقر لأية رؤية بعيدة المدى يمكن أن تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة بما يحقق رؤية قيادته وطموح وتطلعات أبناء شعبة. فمقياس نجاح أية حكومة لا يتأتى من خلال قياس مؤشرات المديونية والفقر والبطالة والتنافسية العالمية فحسب (وقد فشلت الحكومة فيها جميعا بامتياز)، بل يتأتى ببساطة بقياس مؤشر واحد رئيس، ألا وهو “سعادة المواطن”. فالهدف الأول والأخير لأية حكومة هو خدمة الناس بما يحقق رضاهم وسعادتهم. وما دامت الحكومة غير قادرة على تحقيق تلك السعادة فهي حكومة غير ناجحة وحان وقت رحيلها.

حفظ الله الأردن عزيزا وقويا ومنيعا…. وحماه شعبا وأرضا وقيادة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى