نقاش في النقاش / طاهر العدوان

نقاش في النقاش
طرح جلالة الملك ورقته النقاشية الاولى في عام ٢٠١٢ ، اي قبل ٥ سنوات من الان ، وتأتي الورقة السادسة التي نشرت امس – الاحد – لتلخص الهدف النهائي من هذه الاوراق وهو : الوصول الى ” الدولة المدنية التي تحتكم الى الدستور والقوانين ، دولة المؤسسات القائمة على الفصل بين السلطات وحماية الحقوق والحريات بما فيها الحرية الدينية ” . واهمية هذه الورقة انها تعرّف الدولة المدنية ، كما يراها الملك ، وسط جدل داخلي حول هوية الدولة مدنية ام علمانية او دينية ؟. انه سؤال الهوية الذي وصلت إلينا رياحه متأخرة ، بين عالم عربي يحترق ويتصدع في صراعات دموية داخلية واثنية ، تدور رحاها في طاحونة البحث عن هوية الدولة المنشودة .

تعتبر الاوراق النقاشية الملكية خارطة طريق للاردنيين ، شعبا وحكومة وبرلمانا ، من اجل بناء الدولة المدنية الديموقراطية على قاعدة المجتمع المدني وبأليات التعددية السياسية والثقافية ، وهي في ترتيب اطروحاتها وتتابعها تنشد الوصول الى الدولة المدنية من خلال تفصيلات واضحة تبدأ بالتعددية الحزبية ، يمين وسط يسار ، وتطبيع المجتمع بالسلوك والممارسات الديموقراطية ليكتسب صفة المجتمع المدني ، لتنتهي بوصول اغلبية برلمانية تشكل حكومة ، تواجهها اقلية من المعارضة البرامجية . وفي تفصيلات الاوراق ايضا ان يكون طابع الحكومة سياسي نظرا لانتماءات وزرائها القادمين من مجلس النواب ، لذلك يكون لمنصب الأمناء العامين في الحكومة اهمية اكبر لأنهم من سينفذ خطط الحكومة بعيدا عن صراعات الأقلية والاغلبية في مجلس النواب وإغراءات استخدام النفوذ لخدمة الحملات الانتخابية .

خارطة الطريق هذه لم تسر عليها الحكومات في السنوات الخمسة الاخيرة ولن أكون مبالغا ان قلت بان ( الطريق المعاكس ) استخدم اكثر من مرة ، وفي عدد من المراحل والمنعطفات ، بحيث أهدر وقت ثمين على الدولة والنظام وعلى الشعب كان بالإمكان من خلاله انجاز العديد من الخطوات نحو الدولة الديموقراطية المدنية التي تناولتها أوراق النقاش الملكية .

ولا ارى انه من المفيد الإشارة هنا الى هذه الخطوات امام ما يكفي من النتائج التي بين أيدينا وامام ناظرنا عن مسيرة ما سمي بالاصلاح السياسي في السنوات الخمسة من عمر الاوراق النقاشية . وهي :

مقالات ذات صلة

١- اننا امام مجلس نواب ، بعد الانتخابات الاخيرة ، لم تصل اليه اغلبية ، او تحالف اغلبية برامجية خاضت الانتخابات ونجحت لتشكل حكومة برلمانية . الكتل البرامجية الصغيرة التي وصلت لا تشكل نواة لأغلبية جادة ومتماسكة ، ولقد تواجد في مجالس نواب ( التسعينيات ) كتل اقوى منها عددا وعدة وتأثيرا . الاغلبية الحالية هى للنواب الفرادى الذين سيستفيدون من تجارب مجالس الصوت الواحد لتشكيل ( كتل طيارة ) تستخدم لتحقيق مصالح فردية وخاصة وفي أحسن الاحوال للضغط على الحكومة في جلسات الثقة .

٢- لقد تراجعت فكرة تشكيل حكومة برلمانية خطوتين الى الخلف ، فاختيار رئيس الوزراء بعد انتخابات ٢٠١٢ تم بقيام رئيس الديوان الملكي كممثل عن الملك في اجراء مشاورات مع النواب لاستمزاجهم في ( اسم رئيس الوزراء الذي سيتم اختياره لتشكيل الحكومة ) ومع ان هذه الخطوة كانت شكلية الا انه ، في حينها ، اعتبرت مؤشرا على خطوات ابعد تجاه مسألة تشكيل اغلبية برامجية نيابية ينجم عنها حكومة برلمانية . ما حدث في عام ٢٠١٦ ان هذه المشاورات لم تحصل عند تشكيل الحكومة !.

٣- لقد تم في السنوات المذكورة اقرار ” تعديلات دستورية” أضعفت عملية الفصل بين السلطات وخلطت الصلاحيات التي تطرح العديد من الأسئلة حول كيفية قيام مجلس النواب بوظيفته الدستورية المتعلقة بالمراقبة والمحاسبة !. وفي كل المفاهيم الديموقراطية فان مثل هذا الخلط لا يخلق دولة المؤسسات التي تُعرّف بتحديد الصلاحيات والمسؤوليات وفق الدستور .

وفي اعتقادي ان الأسباب التي أدت الى عدم سير البلاد على الطريق الذي رسمته الاوراق النقاشية هي : اولا – ان نقاشا لم يحصل في المستويات الرسمية بالدولة وفي مقدمتها الحكومة حول ما ورد في هذه الاوراق . وان كان قد حصل بصورة غير معلنة فان النتائج تدل على ان المسار الرسمي قرر ان يتخذ طريقا معاكسا لما ورد في هذه الاوراق ، ومجرد إلقاء نظرة مقارنة على الاهداف الجزئية والنهائية التي سطرتها الرؤيا الملكية وعلى ما تحقق من خطوات ضعيفة ومترددة سنكتشف ان نوايا جادة للاصلاح بهذا الاتجاه لم تكن موجودة في الأوساط الحكومية .

كما ان نقاشا حول هذه الاوراق في فضاء الرأي العام الاردني لم يحدث ، لقد اقتصر الامر على بعض الندوات التي عقدها مجتهدون باحثون عن موضوع لندوة ، بينما تستحق الاوراق الملكية من حيث مصدرها وهو الملك ، ومن حيث أهميتها في اصلاح النظام السياسي ان يجري حولها نقاش واسع ومستمر في جميع وسائل الاعلام والصحافة مع الحرص على استقطاب الجدل مع التيارات السياسية والثقافية والاجتماعية من اجل نشر وتداول أوسع بين صفوف الرأي العام لما جاء في هذه الاوراق . لقد كتبت – مرة – مقالة ، في صحيفة كنت اكتب فيها، أناقش فيها ما جاء في هذه الاوراق لكن ما حدث ان المقالة لم تنشر .

مع كل هذا ، لا تزال الاوراق النقاشية الملكية هي افضل ما يمكن ان يطرحه قائد دولة من افكار وروئ حول مستقبل شعبه . وان متابعة الملك لنشر رؤياه بنشره الورقة السادسة دليل على انه متمسك بما يطرح . وهو ما يفضي الى ضرورة البدء بنقاش في النقاش لبحث معيقات تحقيق الاهداف الملكية في السنوات الماضية وفي المستقبل . وهنا أسجل ، بان السبب الرئيس هو عدم تحول ما ورد فيها من افكار الى قرارات ملكية تلزم الحكومة على إنجاز وتهيئة الظروف والمناخات التي تنقل المجتمع الاردني خطوة خطوة نحو الدولة المدنية الديموقراطية . نأمل ان يعلن الملك في الورقة المقبلة عن خطوات تجعل النقاش العام ممكناوتحدد أطره ليبدأ التنفيذ من دوائر صنع القرار وفي ميادين المجتمع المدني ووسائل الاعلام .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى