المعارضة الموسمية

المعارضة الموسمية
د. قـدر الدغمي

المعارضة عندنا معارضة غثائية سطحية، بعضها نشأ عن حسن نية وتم تدجينه فحافظ على نفس الخط والخطاب واستمر وحافظ على نفس النهج منذ زمن بعيد، يلهث بكلمات جوفاء وخطابات رنانة غير مقنعة وراء سراب للوصول إلى غايته ومصالحه الشخصية بالدرجة الأولى، والبعض من المعارضة مصطنع احدثته بعض الحكومات في ظروف معينة لتمييع الساحة السياسية واعطاء صورة للناس على أن “الديكور الديمقراطي” في ابهى حلله واوصافه.
نادرا ما تتاح لبعض من يدعي المعارضة فرص الترضية كالاستوزار وتقلد المناصب العليا والاعطيات وبعض المكاسب هنا وهناك، فيتحول خطابه بين عشية وضحاها من خطاب متشنج إلى خطاب ناعم ومهادن ووديع وموال فيكشف عورته أمام الشعب فيصبح غير ذي قيمة، وهناك من المعارضة من يوم نشأتها تكتفي بممارسة دور أرنب السباق الهزيل تعارض كل شيء وتقف موقف الضد مع كل شيء، وهي تدرك تمام الادراك أن حظها من الفرصة كحظ الأرنب من قسمة الغنيمة مع الذئب فتقبل بالفتات وبعدها يتم شد اذنيها ويقفل عليها في صناديق الصمت حتى يحين موعد اخراجها لتعلب نفس الدور القديم من جـديد.
فالمعارضة وإن تعددت اوجهها وتنوع خطابها واختلفت أيديولوجيتها فهي تسعى لمصلحتها بالدرجة الأولى مهما كان شعارها وأهدافها وغايتها، حتى وإن لم تقل ذلك يظهر عليها من مواقفها، ولا تمتلك رصيدا شعبيا، لذا اصبح المواطن لا يصدقها في كل ما تقول لأنها تطرح نفسها كسلطة وليس كبرنامج أو مشروع تنمية أو اصلاح، ويتضح هذا ايضا من تهافت رموزها على الكراسي.
ندرك بأن المعارضة الحقيقية خصما قويا للسلطة، يعتمد مرجعية مغايرة، وله تصور مختلف للتغيير والتنمية والتقدم والاصلاح، ولديها رؤية في كل مناحي الحياة، ولها قبول واحترام، وهي بالضرورة ثابته على موقفها وفي حالة معارضة مستمرة ونقد متزايد، حيث ترتفع حدة معارضتها كلما وقعت النخبة الحاكمة في انحرافات سياسية واقتصادية واجتماعية لها تأثير على الصالح العام، ولا تنتهج مبدأ الابتزاز وليّ الذراع لتحقيق مبتغاها.
لغياب الأحزاب السياسية المعارضة، فإن أكثر الأوقات التي تظهر فيه المعارضة الموسمية للعلن هي وقت الأزمات السياسية تحديدا، بهدف دغدغة مشاعر المواطنين وكسب تأييدهم، وللأسف لا يوجد لمثل هذه المعارضة أي مشروع أو استراتيجية طويلة الأمد، قادرة على حل شامل للأزمات، لعدم فهمها لحقيقة الواقع من جهة، ومن جهة أخرى لأن لديها اجندة خاصة لا تتجاوز تحقيق شهوتها بالمحاصصة والوصول لبعض مراكز السلطة والمال.
من أهم نقاط ضعف المعارضة ابتعادها عن هموم المواطن وغالبا ما تضع جل اهتماماتها وثقلها في الشأن السياسي تحديدا، متجاوزة بذلك القضايا التي تمس حياة المواطن العادي واحتياجاته اليومية فقلما تجد معارض سياسي يناضل من أجل لقمة عيش المجتمع، أو يطالب بحلول لمشاكله، أو يرفع شعارات بإيجاد خطة عمل مدروسة لتصويب ما اخفقت به بعض الحكومات في ضبطها ومعالجتها لأهم المشاكل الاجتماعية كالصحة والتعليم والفقر والبطالة.
ومن اشكاليات المعارضة، أنها مشتتة ولا تقبل النقد، وتفتقد للمصداقية، وليس لديها رحابة صدر، وغالبية من يتصدرون صفوفها هم من كانوا في زمن قريب في أعلى المناصب وفي قلب الحدث وصناعة القرار والقيادة ومسؤولية التنفيذ، وتاريخ غالبيتهم في المواقع التي تقلدوها يشهد عليهم بأنهم لم يحققوا أي إنجازات ملموسة تذكر لهم خلال فترة تبوؤهم لتلك المراكز، فكيف بمن فشل في القيادة وبيده مفاتيح اللعبة بالأمس أن يصبح اليوم يقود معارضة ضد موقعه ومن اعتلاه .؟
نحن بحاجة لمعارضة وطنية تحمل تاريخ أبيض ونقي، تتنفس هواء الوطن لا تتلون ولا تتغير، ولها مبدأ وبرنامج واضح، وثابتة على موقفها لا تغريها المكاسب مهما كان حجمها، تتلمس وجع الوطن والمواطن وتقف على مسافة واحدة من الجميع، خاصة في القضايا المصيرية، لقد سئمنا المعارضة الموسمية الهلامية الفارغة من محتواها، التي تظهر وتختفي فجأة بلا مقدمات وبطريقة “الفوتوشوب”، وتصدح وتصرخ بصوت عال لا يكاد يفهم، مستندة على الشائعات وشخصنة الأمور وبارعة في جلد الذات والقدح والذم والتشهير وتوجيه التهم جزافا، بمعنى معارضة فقط من أجل المعارضة.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى