المصالحة الخليجية تتطلب مصالحة وطنية أردنية

المصالحة الخليجية تتطلب مصالحة وطنية أردنية
د.فلاح العُريني

لستُ من عشاق الكتابة حول السياسة الأردنية الخارجية، فهي سياسة شبه مستقرة ومتأقلمة مع الظروف المحيطة، وفي غالبها تهدف إلى الحفاظ على المصالح العليا للدولة الأردنية بعيدا عن أي اعتبارات أخرى، وليس من السهولة التنبؤ بالمتغيرات بهذه السرعة المطلوبة لضمان الاجراءات وردات الافعال التي تخدم السياسة الخارجية وتفرض نفسها بشكل يجعل من الأردن لاعبا اقليميا على الساحة العربية وحتى الدولية.
ولكن هنالك بعض التغيرات والطفرات الدولية التي تؤثر في السياسة الأردنية وعلى المستوى الداخلي، وغالبا ماترهقنا السياسة الداخلية والتي تتولى زمامها حكومات تسير على نهج فاسد لا اساس له من المصلحة الوطنية او حتى تطبيق ادنى معايير الوطنية.
إن المتابع للشأن الخليجي يجد ان اسباب العزلة التي فرضتها دول الخليج وبقيادة السعودية على قطر لم يكن لها اي مبرر عربي او مصلحة عربية بل كانت بدعوة غربية مقيتة اساسها اقناع العرب بأن ايران وتركيا تمثلان خطرا حقيقيا على الوجود الخليجي ودليل ذلك احتضان هاتين الدولتين لقطر وقت الحصار وقطع العلاقات معها..
رغم ان بعض دول الخليج نأت بنفسها بعيدا كسلطنة عُمان والبعض الاخر حاول لملمة الشمل على استحياء وهذا مافعلته دولة الكويت، الا ان شروط السعودية العشر بقيت آنذاك جاثمة على قلب السياسة القطرية.
خلال فترة المقاطعة توافدت بعض دول الخليج للتطبيع مع الدولة الصهيونية والبعض الآخر بدأ يبادلها الغمزات ونظرات الاعجاب، لكن هذا لايكفي، فالغرب ينظر إلى دول الخليج كدولة واحدة وجزءا لايتجزأ من المنظومة العربية بشقيها السياسي والاقتصادي، وعليه فلا يمكن التطبيع بشكل جزئي او توقيع اي معاهدة سلام خليجية مع دولة الاحتلال الا بتنسيق خليجي كامل وعدم غياب اي دولة خليجية، ولذا فإن الراعي الرسمي لعملية السلام يرى ان التطبيع سيكون مع مجلس التعاون الخليجي وليس مع دول الخليج منفردة، ولذلك لجأ بايدن وقبيل استلامه الرئاسة بشكل رسمي، على جمع شمل دول الخليج تحت قبة المجلس الخليجي ليكون حوارهم موحد وكلمتهم موحدة ولضمان عدم تغربد اي دولة خارج سرب التطبيع وخصوصا قطر، ولقطع الطريق على تركيا وايران من محاولة اجهاض التطبيع عبر قطر، ذلك التطبيع الذي يتعارض مع مصالح هاتين الدولتين، رغم وجود علاقات تجارية واقتصادية وتمثيل خفي بين كل من تركيا وايران من جانب، ودولة الاحتلال من جانب اخر.
اذن التطبيع الخليجي قادم لامحالة وان لم يكن اليوم فسوف يكون غدا..
وهذه رسالة الى السياسة الأردنية والتي بكل تاكيد تعي الامر جيدا، وستواجه الأردن تحديات كبيرة وارهاصات سياسية تترتب كأثر فوري ومباشر على هذا التطبيع الخليجي، والذي قد يصل إلى التلويح بسيف المقاطعة للأردن، أو وقف المساعدات الخليجية للاقتصاد الاردني والذي لايحتاج الى اكثر مما هو فيه من ركود وانكماش.
لمن يسأل: كيف يؤثر التطبيع الخليجي على العلاقات الاردنية الخليجية خصوصا ان الأردن ترتبط مع دولة الاحتلال بمعاهدة وادي عربة والتي رتبت على الأردن التطبيع الكامل مع الصهاينة؟
إن التطبيع الخليجي مع دولة الاحتلال سيصطدم بلاءات الأردن الثلاثة، والوصاية الهاشمية على الاماكن المقدسة والتي تعتبر بالنسبة للأردن خط احمر غامق لايمكن مجرد التلميح بها..
وأي ردة فعل أردنية سيكون لها تبعات سياسية باهضة على المستوى الدولي، وستجابه بقوة خصوصا من الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني الذي يعول على المصالحة مع الخليج لاعتبارات سياسية واقتصادية، وستبقى المناورة واردة بين مد وجزر في السياسة الأردنية، وقد تضطر الأردن لتقديم بعض التنازلات السياسية المؤلمة، والتي لايمكن ان يقبلها الشارع الأردني برمته، خصوصا أن الحكومة التي تمثل الطيف السياسي في اي مفاوضات حكومة غير مرغوبة شعبياً، ولايمكن لمثل هذه الحكومة ان تستمد شرعيتها من مجلس النواب الذي أتى بغير ارادة الشعب وبنسبة لم تتجاوز الثلث من الشعب السياسي الأردني..
ليس امامنا الان الا توحيد الجبهة الداخلية لضمان التوازن على المستويين الداخلي والخارجي بما يكفل الاستقرار الداخلي وعدم التفريط بالحقوق الوطنية على المستوى الدولي خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية..
ولتوحيد الجبهة الداخلية لابد من مصالحة وطنية اركانها الشعب والحكومة ويتوسطهما القانون..
والمصالحة الوطنية لاتكون الا من خلال الثقة التي افتقدها الشعب بالحكومة.. واساس الثقة طمس النهج الحالي والعودة للنهج الوطني المبني على التفسير الحقيقي للنصوص القانونية التي تضمن تحقيق العدالة ووقف القيود على الحريات العامة واولها حرية التعبير والرأي وتوخي الشفافية والنزاهة في القرارات ومايصدر عن السلطة التنفيذية من اوامر، بحيث تصب في الصالح العام الذي يمثل المصلحة الوطنية..
وخلاف ذلك سيسود التوتر والاحتقان وستكون الحكومة بنهجها الحالي عصاً في دولاب الاستقرار..
اتمنى ان تتحرر الحكومة من كبريائها وان تعي وتسمع صوت الاحرار الذين يمثلون النبض الحقيقي لحال الوطن، لعل وعسى ان تدرك هذه الحكومة اننا شعب ناقد وليس بحاقد او جاحد..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى