المؤرخون وأمانة التاريخ

#المؤرخون و #أمانة #التاريخ
موسى العدوان
المؤرخ هو الشخص الذي يقوم بدراسة #أحداث التاريخ الماضية، ويبين من خلال ما يقدمه : ماذا ولماذا وأين وكيف وقع الحدث. ومن أهم شروط المؤرخ، أن يكون موضوعيا ومتجردا من #العواطف #الشخصية والانحياز لطرف دون آخر. بل عليه أن يعتمد على #الحقائق والأدلة الثابتة في بحثه، وتقبل الآراء النقد الموضوعي التي تلقي الضوء على جوانب كانت خافية أو ظهرت مجددا على موضوع البحث.
والتربية الوطنية موضوع هام يُدرّس في الجامعات والمعاهد التعليمية، ولكن دون منهاج موحد، بل تُرك لكل أستاذ أن خياره في تدريس طلابه المادة التي يرغب بتدريسها، سواء كانت من تأليفه أو من تأليف غيرة. وهذا ما يخلق تفاوتا فيما يتلقاه الطلاب من معلومات، والذي قد يتضارب أحيانا أو يبدو ناقصا في بعض جوانبه أحيان أخرى.
لقد اطلعت مؤخرا على كتاب يبحث في قضايا ” التربية الوطنية ” لأحد الأساتذة المميزين والذي أجلّه وأحترمه، وهو كتاب شامل لكثير من المعلومات الهامة، التي استنفذت الكثير من الجهد لإعدادها، ويهدف بشكل رئيسي، إلى تنشئة الأجيال الحالية واللاحقة، على معرفة تاريخ وطنهم وشعبهم، وتنمية روح الفخر والاعتزاز بهما في أفئدتهم وعقولهم.
قرأت في هذا الكتاب ما ذكره المؤرخ، عن تاريخ الأردن منذ تأسيس الدولة في عشرينات القرن الماضي، فوجدت أنه قد أغفل دعوة المندوب السامي البريطاني في القدس للشيخ سلطان العدوان. وهي قصة معروفة يتناقلها كثير من الأردنيين في مجالسهم وأحاديثهم، ثم وردت موثقة في كتاب الدكتور عبد الله العساف بعنوان ” ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية “. وسواء اتفقنا أو اختلفنا مع أحداثها، إلاّ أنها واقعة حقيقية، وجزء من التاريخ الأردني، الذي لا يصح تجاوزه تمشيا مع أمانة التاريخ.
وفي هذا السياق يقول المؤرخ الدكتور عصام السعدي، عميد معهد المشرق للدراسات الجيوسياسية، في جزء من تقديمه لكتاب الدكتور عبد الله العساف المشار إليه بأعلاه ما يلي وأقتبس :
” أزعم من خلال تجربتي في إعادة كتاب تاريخ الحركة الوطنية الأردنية، منذ عام 1921 ولغاية عام 1967م، أن الباحث الذي يتصدى لإعادة كتابة تاريخ الشعب الأردني، وخاصة في فترة تأسيس دولة الإمارة الأردنية، ستعترضه عقبات في غاية الصعوبة والتعقيد. لأنه بعمله هذا يقوم بتصحيح الرواية التاريخية، ووضعها في سياقها الصحيح، ما يعني نسف الرواية التاريخية، التي تبناها وأسس لها عدد من (المؤرخين) الرسميين، وبضمنهم معظم الأكاديميين في جامعاتنا الرسمية “.
يقول الدكتور عبد الله العساف في الصفحة 87 من كتابه التاريخي القيّم، ما يلي وأقتبس بتصرف : ” ويُذكر أنه في هذه الفترة التي كان الأمير عبد الله فيها مقيما في معان، بدأت اتصالات بين الشيخ سلطان العدوان والبريطانيين، من أجل تأسيس إمارة شرق الأردن برئاسة الشيخ سلطان العدوان. وربما أراد البريطانيون قطع الطريق على الأمير عبد الله، بإنشاء إمارة يتزعمها شخص قوي، ذو تأثير على قبائل المنطقة، فكان ذلك الشخص سلطان العدوان.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى خلْق نوع من الصراعات والنزاع بين قبائل شرق الأردن، والتي لن تبدي قبولا لابن عدوان زعيما لها، لاسيما بني صخر . . . ومن ثم فإنه في ظل هذه الظروف المواتية، يتم لها السيطرة على البلاد بطريقة أسهل. ويبدو أن المندوب السامي في فلسطين هربرت صموئيل، قد وجد استعدادا من قبل الشيخ سلطان العدوان لقبول هذا العرض، وأن الشيخ سلطان طلب أن تكون الإمارة في ابنه الشيخ ماجد ( نظرا لكبر سنه).
طلب الشيخ سلطان من ابنه الشيخ ماجد الذهاب إلى القدس، للتباحث مع المندوب السامي في الأمور التي تتعلق بتشكيل حكومة برئاسته، في شرقي الأردن وبمساعدة من بريطانيا. فذهب الشيخ ماجد إلى القدس بصحبة عدد من فرسان العدوان، من بينهم بركات الفلاح، وصالح الفواز، وفهد الشبيب، إضافة إلى أخويه عبد الحميد ومنصور.
وقبل الاجتماع بالبريطانيين قابل الشيخ ماجد في القدس، كامل الحسيني مفتي فلسطين، الذي أخبر الشيخ ماجد بأن البريطانيين قصدوا من وراء هذا العرض، أن يقيموا وطنا يهوديا في فلسطين، وقال له الحسيني : ( خطية الناس برقبتك يا ابن عدوان ). وهذا ما حصل فعلا في أثناء المقابلة، فقد عرض المندوب السامي على الشيخ ماجد العدوان، بأن يكون أميرا على شرقي الأردن، شريطة عدم معارضته لإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، كما نصّ عليه وعد بلفور عام 1917. رفض الشيخ ماجد هذا العرض، فاعتذر له المندوب السامي عن مساعدته في تأسيس الحكومة، وطلب منه أن يفكر في الأمر قبل التسرع في إعطاء الجواب. فردّ عليه الشيخ ماجد بـأنه سوف يقوم بمشاورة والده بخصوص هذا الأمر.
وعند عودته ذكر الشيخ ماجد لوالده الشيخ سلطان، أن الإنجليز يعتزمون إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وأنهم سيأتون بالأمير عبد الله ويجعلوه أميرا على البلاد، إذا لم يوافق الشيخ ماجد على عرضهم. وعندما سمع ذلك هنأ الشيخ سلطان وله على موقفه الوطني، وقال له ( الشريف ولا الإنجليز ). وكان الهاشميون حينها ما يزالون في الحجاز “. انتهى.
وهنا أعود لأسأل المؤرخ مؤلف كتاب التربية الوطنية : لماذا استثنيت يا أستاذ هذا الموضوع الهام، من تاريخ تأسيس الدولة الأردنية من كتابك ؟ وماذا ستكون إجابتك، لو سألك أحد طلابك عن هذه الحقيقة التاريخية ؟
ختاما أقول للأستاذ مؤلف كتاب التربية الوطنية مع الاحترام : رحمة بالتاريخ أيها المؤرخ الأكاديمي، فأمانة التاريخ لا تسمح بدفن الحقيقة، التي تُبرز تاريخ الشعب الأردني والأحداث التي جرت في وطنه، لأن الشهود الثقات باحوا بالحقيقة، وعرفها الكثيرون . . !
التاريخ : 12 / 5 / 2022

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى