الغضب الشديد.. “مصيدة” تتسبب بالأمراض والهلاك

“الغضب”.. رد فعل يحمل في معظم الأحيان نتائج سلبية لدى الكثير من الناس، ولا يعلم هؤلاء أن تلك النتائج قد تكون وخيمة وتؤدي بالهلاك “للغاضب”، وقد تصل إلى حد فقدان الحياة، وخاصة عند الرجال أكثر مما هو عند النساء.
“مشكلتي في الحياة أنني أعبر عن قهري واستفزازي من الأمور التي أواجهها بالغضب وذلك يسبب لي ألما نفسيا”، تقول أم غيث التي لا تستطيع أن تعبر عما بداخلها سوى بالغضب.
وتقول أم غيث “نحن كنساء بإمكاننا أن نعبر بدون أن نؤذي أحياناً، ولكن البعض يرى أن تعبير المرأة عن غضبها يفقدها أنوثتها، وهي فكرة غير صائبة”؛ إذ إن تفريغ الغضب “بطريقة مناسبة” يعد أمراً صحياً ولكن قد يُسمح للبعض ويُمنع على آخرين.
موسى العبيد يجد أن الرجل ليس لديه القدرة على كبت غضبه، كون طبيعته لا تسمح له بالكبت، وأن الكثير من التجارب في حياته بينت أن الرجل الذي لا يعبر عن غضبه قد يؤدي به ذلك إلى الإصابة “بأمراض القلب”.
ويقول العبيد إنه ولكونه متزوجا ولديه عائلة وأطفال، قد يشعر بالكثير من حالات الغضب أو العصبية التي قد يعاني منها أي إنسان، وهو يحاول أن يعبر عن ذلك من خلال الحديث بصوت مرتفع أحياناً، أو الخروج من المنزل لحين أن يعود إلى هدوئه، حتى يتجنب أن يُعرض أحد أطفاله لأي أذى قد ينجم عن غضبه.
ويبرر العبيد ذلك، أن كثيرا من الأشخاص الذين يعرفهم عن قرب قد أصيب بعضهم بالفعل بنوبات غضب شديدة أدت إلى نتائج مرضية سيئة مثل السكتة القلبية أو فقدان الوعي، ويقول “لا أتقبل فكرة أن أتعرض للأذى لعدم قدرتي على التعبير عن غضبي أو عدم رضاي عن موقف معين”.
وبحسب دراسة جديدة لعلماء النفس وخبراء في جامعة “أيوا” الأميركية، بين العلماء أن “الرجال سريعي الغضب معرضون للموت المبكر أكثر من ذوي الغضب العابر”؛ إذ بينت الدراسة كذلك أن سرعة الغضب هي سمة تلازم الكثير من الرجال.
ويعزو علماء نفس هذه الحالة إلى الضغوط الحياتية والكتمان واحتقان الانفعالات الداخلية أو القلق والاكتئاب، ودرس خبراء جامعة أيوا هذه الظاهرة على مدى أربعين عاما، معتمدين على معلومات جمعوها من أكثر من ألف وثلاثمائة رجل سريعي الغضب، وشملت الدراسة رجالا تحت سن الثلاثين.
واكتشف الباحثون أن ربع أشد الرجال غضبا معرضون لخطر الموت المبكر أكثر من مرة ونصف المرة من أصحاب الغضب العابر، أي بنسبة 150 %، من الرجال الطبيعيين الذين يعبرون بطريقة “متوازنة”؛ إذ لاحظ الباحثون أن خطر الموت المبكر يزداد عند سريعي الغضب أيضا حسب قدراتهم المعرفية وإصرارهم على المتابعة لتحقيق هدف ما نتيجة الضغوط التي يتعرضون لها.
ويرى لؤي قاسم أن هذه الدراسة فيها شيء من المبالغة، كون الرجل الذي يعبر عن غضبه يقلل من الضغط الذي قد يحصل لديه فيما لو بقي يكبت تلك المشاعر الغاضبة في داخله، خاصة وإن كان فيها نوع من الإهانة الشخصية أو تحقير كلام أو موقف.
وأشار الباحثون إلى أن كبت الغضب وخاصة عند الإحساس بالظلم قد يزيد من سرعة نبضات القلب ويرفع ضغط الدم ويزيد من خطر التعرض لأمراض القلب، وقد لوحظت هذه الظاهرة عند الرجال فقط.
غير أن قاسم في الوقت ذاته لا يؤيد أن يكون غضب الرجل مبالغا فيه، بحيث قد يؤدي إلى إصابته بالفعل بالأمراض، أو إيذاء الآخرين، فالكثير من سريعي الغضب منهم قد يؤذي نفسه، أو يضرب أحد المحيطين من عائلته.
ويرى الباحثون أنه من الأفضل للرجل سريع الغضب أن يعبر عن غضبه بشكل إيجابي وأن يدرك أن الغضب يضر بصحته وصحة ذويه والأشخاص من حوله.
مركز “كلمة” للعلوم السلوكية والمعرفية في عمان، كان قد أطلق قبل أشهر برنامجا خاصا يتم فيه تدريب الأشخاص الراغبين بالانتساب إلى دوراته على السيطرة على الغضب؛ حيث كان شعار الدورة “اغلب غضبك”.
مدير مركز “كلمة” والمشرف على مشروع “اغلب غضبك” المتخصص في علم الإرشاد والنفس والمعالجة الإكلينيكية الدكتور يوسف مسلم، هو من بين مجموعة من المختصين في العالم الذين وكلتهم منظمة الأمم المتحدة ليكون ضمن الفريق العالمي في معالجة الضغوط النفسية للعاملين في المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة.
وقال مسلم خلال تنظيم تلك الدورات، إن الأشخاص الذين يغضبون بسرعة، قد تكون ظروف حياتهم الاجتماعية هي السبب في ذلك، ولكن التغلب على الغضب قد يحتاج في بعض الأحيان إلى التدريب للسيطرة على تلك المشاعر التي هي “ردود فعل طبيعية تلقائية”.
ومن بين الدورات التي تم تقديمها للأشخاص العاملين في المجتمع، دورة “كيف تتعامل مع العملاء الغاضبين؟، كيف ترقي نفسك من الغضب؟، تربية النفس الغاضبة، وفحص الغضب”، والتي تدعو في مجملها إلى تجنب الردود الغاضبة والعنيفة ضد الآخرين.
وهنا، يؤكد اختصاصي الطب العام والأسري، الدكتور زياد النسور، أن الكثير من الأمراض العضوية في الكثير من الحالات سببها أمراض نفسية، تسمى في الطب العام “أمراض نفس جسمية”، ومنها الكبت وعدم التعبير عما في نفس الشخص من مشاعر، قد يحدث للشخص نتيجة ذلك بعض الأعراض مثل التعب العام والإرهاق وضيق النفس وعدم انتظام دقات القلب، والتوتر الدائم.
ويضيف النسور أن الكبت المتراكم للمشاعر منذ الصغر قد يؤدي إلى حدوث نوعين من النتائج؛ الأول وهو سلبي ويتمثل بالانفجار الذي يقود صاحبه إلى الانهزام الداخلي، وإلى التعبير غير السلمي عن مشاعره، أو أن يكون بطريقة أخرى مثل التعبير بالطريقة السلمية وتتمثل في الكلام المباشر أو غير المباشر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى