الصين تلتقط اللحظة الفلسطينية

الصين تلتقط اللحظة الفلسطينية / د. #منذر_الحوارات

(مجلس الأمن يعقد جلسة طارئة بطلب أردني فلسطيني مشترك، جرى تأييده من الإمارات العربية المتحدة المندوب العربي في المجلس وكذلك الصين) هذا هو متن الخبر الرئيسي وسيكون محور الحديث هو الموقف الصيني، لكن قبل ذلك يجب الذهاب في رحلة مؤقتة مع موقف الدول الغربية والولايات المتحدة والتي استطاعت خلال عمر الصراع الذي ناهز القرن وقبله قرن آخر من الإعداد أن تنحاز بشكل صارخ الى الرواية الصهيونية والتي استطاعت أن تصبغ مفاهيم الغرب عليه، ففي بداية القرن العشرين اعتبروا أن سكان المنطقة ليسوا سوى مجموعة من البرابرة المتخلفين والبعيدين كلياً عن الحضارة، وأن فلسطين ليست سوى مكان خاو من الحضارة، أو في أحسن الأحوال تم احتلاله من قبل هؤلاء البرابرة والذي يجب أن يتحرر بإعادة سكانه الأصليين الذين بادت مملكتهم قبل ألفي عام، لذلك يجب أن يعود الحق الى أهله ويتم طرد هؤلاء العرب المحتلين، وهذا ما حصل في العام 1948 وتم احتلال فلسطين وإشغالها من قبل قاطنين جدد هم اليهود.

ليس هذا وحسب بل إن الغرب ما فتئ يتبنى الرواية الإسرائيلية دون أي توقف ولو للحظة لمراجعة الذات ومحاولة اكتشاف الأخطاء المرتكبة وعلى سبيل الفضول، بل استمر في التراجع يوماً بعد يوم حتى عن مواقفه الاولى، فقد تراجع عن مقولة دولة لليهود ودولة للعرب، وأذعن للأمر الواقع الناتج عن احتلال عام 1967 وحول الوطن الفلسطيني إلى سلطة محدودة، وتراجع ايضاً عن أهم بنود القرارات الدولية والتي تضمن أن يصون المحتلون الأراضي المحتلة، فوجدنا المتطرفين اليهود يغيرون الواقع في الأماكن المقدسة دون أي التفات من القوى الغربية الداعمة لإسرائيل ولو حتى على سبيل التأنيب، بل استمروا في دعمها دون أي تحفظ أو خجل، وهم الذين يقاطعون دول لأنها تعتقل معارضاً بل ويحاولون فرض قيم هجينة على الدول وثقافاتها بل ونزلوا عليها العقوبات إن لم تفعل ما يريدون.

لكن هذا الواقع قابل للتغيير، فهناك صاعد دولي وعالمي جديد سيحتل موقعه في الصدارة عما قريب، وهو شريك تاريخي وثقافي يقع على الضفة الأخرى من آسيا، إنها الصين التي تصعد كالصاروخ والتي تطمح بأن تكون المنطقة العربية واحدة من شركائها الاستراتيجيين المستقبليين لذلك بدأت تنخرط بعمق في قضايا المنطقة، والدليل على ذلك الكمّ الكبير للمؤتمرات الأكاديمية والاقتصادية التي تُعقد بين الأطراف العربية والصينيين وهي تؤسس لعلاقات مستدامة مبنية على احترام القيم المتبادلة لكل طرف، لذلك ستشكل القضية الفلسطينية مدخلاً مهماً تصل من خلاله الى قلوب الشعوب العربية، فالصينيون على علاقة وثيقة مع تاريخ المنطقة، ولا شك أن مكنوزاتهم التاريخية تبلغهم بأنهم لم يتعاملوا في يوم من الأيام مع مملكة اسمها إسرائيل على مدى 2500 عام، بالتالي إمكانية أن ينخدعوا بمقولات تاريخية ليس لها مصدر حقيقي، وهم لن يتعلقوا بمقولات من العهد القديم قد تؤثر على انتخاب هذا الزعيم أو ذاك، بالتالي هم متحررون من كل تلك المقولات التي اعتقلت السياسة والسياسيين الغربيين وما تزال تمارس ثقلها عليهم.

وبما أن الصين ليست أسيرة إلا لمصالحها ومستقبل نموها، لذلك فمكسبها الحقيقي سيكون بالتحالف مع أمة قوامها 400 مليون إنسان مع مساحة جغرافية إستراتيجية تتحكم بممرات عالمية مهمة وفيها فرص هائلة وواعدة على التعامل مع دولة لا يتجاوز تعدادها 7 ملايين مستقبلها محفوف بالشكوك وتاريخها مليء بالاختراعات والأساطير، والأدهى أن هذه الدولة قامت على أنقاض شعب له تاريخه الحقيقي وارتباطه الوثيق بالمكان، وكل الشواهد تشير إليه على أنه صاحب الدار، ولأن الصين تدرك من خلال علاقتها مع المنطقة العربية والتي تأسست عبر طريق الحرير عمق تأثير الدين في نفوس مواطني المنطقة، لذلك أدركت بذكاء أن أقرب طريق لقلوب أهلها هي الصروح الدينية، والأقصى هو واحد من الأماكن التي تهفو إليها قلوب المسلمين، والقدس هي محط أفئدة ثلثي البشرية، بالتي فإن خطوة الصين في تبني الطلب من مجلس الأمن عقد جلسة عاجلة لمناقشة الانتهاكات الاسرائيلية ليست خطوة سياسية محدودة بل هي خطوة حضارية مقروءة بعناية لأجل صين شريكة في مصير المنطقة.

لذلك فإن بن غفير عبد الطريق السريع لدخول الصين من الباب الواسع لقلوب أهل المنطقة فالمكسب الذي تحقق لها خلال الأسبوع الماضي ربما احتاج الى جيوش جرارة كي تحققه دول أخرى، الصين عندما تمكنت بذكاء من التقاط هذه اللحظة الفلسطينية تمكنت أيضاً بذكاء أن تسكن قلب المنطقة وعقلها لأمد ليس بالقليل، لأنها باختصار تبنت الرواية العربية التاريخية ونسفت الرواية الأخرى اللاتاريخية لأن وثائقها التاريخية تؤكد ذلك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى