التلاعب بالعقول وتضليل الجماهير

التلاعب بالعقول وتضليل الجماهير
موسى العدوان


يقول الفيلسوف الأمريكي ” نعّوم تشومسكي ” : إن تضليل عقول البشر يمثل إحدى الأدوات، التي تسعى السلطة من خلالها إلى تطويع الجماهير، وقبول روايتها المضللة لخدمة مصالحها “.
ولا شك بأن التلاعب بعقول الجماهير من خلال وسائل الإعلام المدجّنة، يُعتبر السلاح الأبرز في تغييب العقول، ويتلاعب بإرادة أصحابها، ويسلب إرادتها على التفكير والتحليل، فينقادون لتلك الوسيلة الإعلامية، التي تحركهم وتتلاعب بهم كما تشاء، لتحقيق مآربها وغاياتها الخاصة.
لقد برع في هذا المجال وزير الإعلام الألماني المعروف ” جوزيف جوبلز “، خلال الحرب العالمية الثانية، والذي كان يقول : ” اكذب . . ثم اكذب . . حتى يصدقك الناس “. ولكن مع ازدياد الثقافة والوعي لدى الجماهير، وتعدد وسائل التواص الاجتماعي هذه الأيام، والتي حوّلت العالم إلى قرية صغيرة، أصبح من السهل على الجماهير، اكتشاف التضليل الذي تمارسه الحكومات، والوصول إلى الحقيقة.
ولو أخذنا على سبيل المثال نموذجا واحدا، لتوضيح ممارسة تضليل الجماهير من قبل حكوماتنا الرشيدة، وسأختار المادة 44 من الدستور الأردني، التي تنصّ على ما يلي : ” لا يجوز للوزير أن يشتري أو يستأجر شيئاً من أملاك الحكومة، ولو كان ذلك في المزاد العلني، كما لا يجوز له أثناء وزارته أن يكون عضواً في مجلس إدارة شركة ما، أو أن يشترك في أي عمل تجاري أو مالي، أو أن يتقاضى راتباً من أية شركة “.
ولكن عندما نجد أنه يتم تعيين وزيرا وهو رجل أعمال معرف، وله قيود في دائرة مراقبة الشركات قبل التعيين، ثم يُطلب منه أو يقوم من تلقاء نفسه بالانسحاب من تلك الأعمال، ويسجّلها باسم زوجته أو أحد أبنائه، اعتمادا على وجود ثغرة في الدستور، لكي يستحوذ على المصلحتين في آن واحد، أليس هذا تطويعا والتفافا على الدستور، لكي يخدم الوزير مصالحه، ويضلل الشعب تحت غطاء رسمي ؟ ولماذا تُقدِم الحكومة على هذا التعيين أساسا، وهي تعلم أن المنسب، هو رجل أعمال ولا تنطبق عليه شروط التوزير وهو بهذه الصفة ؟
لست صاحب اختصاص لكي أفتي بهذا الموضوع من الناحبة القانونية، ولكن من خلال معلوماتي العامة، ليسمح لي رجال القانون بالتطفّل، وإبداء رأيي الشخصي في مفهوم المادة 44، ولهم الحق في تصحيح معلوماتي إن كنت مخطئا، ” فالحكمة ضالة المؤمن أن وجدها أخذ بها ” كما جاء في الحديث الشريف.
أعتقد أن المعنى المُضمّن الذي قصده المشرّع في هذه المادة، يكمن في روحها وليس في حرفيتها، وهو أن يُبعد رجال الأعمال ( البزنس )، عن الأعمال الرسمية العامة، من منطلق أن ” الإمارة والتجارة لا يجتمعان “، كما قال علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.
فعندما ينسحب صاحب البزنس من مصالحه صوريا، فمن المنطق أنه لن يبتعد في أفكاره وممارساته التجارية، ورعاية مصالحة التجارية سرا، كما هي الطبيعة البشرية، لأن الوظيفة مؤقتة والمصالح التجارية دائمة وقابلة للنمو. ولكنه قبل الوظيفة ليس بسبب الحاجة لمخصصاتها المالية فحسب، بل لتعزيز مكانته الاجتماعية ( البرستيج )، ولكي ينعكس ذلك على مصالحه الخاصة بصورة أو بأخرى.
فطالما أن الحالة العامة تبدو هكذا . . لماذا يلجأ رؤساء الحكومات للتلاعب بالعقول وتضليل الشعب، من خلال توزير رجال البزنس، ليقوموا لاحقا بانسحاب صوري من مصالحهم التجارية، فيتضرر القطاعين العام والخاص؟ والأفضل هو أن يُوظف رجال العمل العام في الوظائف العامة للدولة وفي المواقع المناسبة لكل منهم، بحسب كفاءاتهم وتخصصاتهم، بعيدا عن توظيف رجال البزنس، والذين عليهم العمل في مجال تخصصاتهم التجارية، والنهوض بمستوى القطاع الخاص وتقدم الدولة اقتصاديا . . !
التاريخ : 12 / 3 / 2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى