الرجل الذي فقد ظله

الرجل الذي فقد ظله
جروان المعاني

فقدان الظل تتسبب به العتمة او حجب النور عموما حتى في وضح النهار، ويفقد الانسان ظله اذا عاش في جلباب والديه، او امضى العمر تابعا لرجل مهم، حتى الدول تفقد ظلها حين تصير تابعةً بتفاصيلها لشخص الحاكم أو للمحتل، اذن ففقدان الظل أمرٌ مزعجٌ ببساطة يدل على فقدان الهيبة او الشخصية.
الرجال الذين يفقدون ظلهم سمحوا لأنفسهم ان يكونوا اداة تنفيذية فالصحفي يفقد وجوده اذا عاش على اوامر رئيس التحرير تماما كما الجندي في ساحة المعسكر حين يلمح قائده قادماً من بعيد، وكذلك المثقفون والمفكرون الذين يستجدون التمويل فيكتبون ما يملى عليهم فيصنعون ابطالا من كرتون ويضخمون الفعل مهما كان تافهاً .!
القيمة الحقيقية للظل نستطيع معرفتها حين نلوذ بجدران البيوت او الشجر لنخفف من حدة الحرارة، أو حين نرى طفلا يعيش في ظل والديه ليحتمي بهم من شدائد الامور، للظل قيمة مجازية تساوي قيمة الشيء نفسه .!
الظل قد يتسبب في تضليل حياتنا فالدول التي تعيش على التبعية لصندوق النقد الدولي او يعتمد وجودها على الدعم الخارجي وحماية الاجنبي والمساعدات، دول فقدت عنصراً اساسياً من عناصر تكوينها الا وهي السيادة، فكم من دولة لا نرى لها ظلا برغم غناها وثرواتها الطائلة، وكم من حاكمٍ يستهزئ به شعبه لانهم يدركون ان لا ظل له .!
نعم نحن جميعا نعيش في ظل الله ونقبل ذلك لأننا ندرك ان لا حول لنا ولا قوة الا بأمر الله، وما عدا ذلك فهو التنمر والاستقواء، وما عدا ذلك فهي المهانة والذل والخنوع، وكل ذلك استشرى في عالمنا العربي، فلا ظل لعالِمٍ أو أديبٍ او لأي شخصية كرزمية قيادية تؤثر أو تقود الناس للاتجاه الصحيح، وها نحن نعيش صراعات وهميةٍ متواكلين لا حول لنا ولا قوة أو اي قدرةٍ على فعل التغيير نحو المستقبل.
أيامنا منسوخة ممسوخة، ننتقل في كل عام من موازنة الى موازنة لا وجود للدولة فيها، تعتمد بكليتها على مسخ حالة المواطن وتحمل في ثناياها التهميش لكل قطاعات الدولة، حيث ان موازنات الدول تظهر شخصيتها فنعرف ان هذه الدولة صناعية مثلا حين تتضمن مشاريعاً كبرى او نقول دولة زراعية حين تضع خططا لتطوير الزراعات والانتاج، وهو أمر مفقود تماماً في موازنتنا فأين العقول المتحررة التي تتنافخ بقدرتها على حلحلة الاحوال فتبرز كظلٍ حقيقي لرجل او شجرة او جدار .!
على مر الايام القليلة الماضية سمعنا وقرأنا لمن تحدثوا عن الموازنة ولكل من انتفض على اتفاقية الغاز مع دولة الاحتلال، ومع ذلك مرت الموازنة كما جاءت من الحكومة، فعشنا صراعاً وهمياً وهرب الظل منا، وكي نهرب اكثر من ظلنا اعدنا نشر الفيديو المخل بالذوق العام واخلاقياتنا، وغضبنا من ارتفاع سعر الخيار، نحن يا سادة لا ظل لنا.!
وتبقى رواية فتحي غانم (الرجل الذي فقد ظله) تمثل واقعاً عربياً مؤلماً وتبقى القُبلة التي اختلسها رشدي اباظة من خد المرحومة ماجدة دليلاً على استسلامنا وقلة حيلتنا ولا يبقى لنا الا ان نلوذ بظل الله داعين ان يُنجي بلدنا وان يصنع لنا ظلا طويلا .!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى