الجُعمُكّة

الجُعمُكّة

رائد عبدالرحمن حجازي


سلطان وصل للتو لمشارف المدينة الصناعية بسيارته المتواضعة والتي على ما يعتقد بأنها بحاجة لصيانة بسبب صوت غير مألوف أصبح يسمعه باستمرار أثناء مسير السيارة . سلطان لا يعرف ميكانيكي معين ، فالسيارة قد اشتراها منذ فترة بسيطة وها هو ذلك الصوت يُنذر بوجود أول خلل فني . لم ينتظر طويلاً وسأل أول محل توقف عنده وهو محل لبيع قطع السيارات .
سلطان : السلام عليكم
صاحب المحل : وعليكم السلام
سلطان : يا خوي بتعرف ميكانيكي شاطر تدلني عليه؟
صاحب المحل : شو مشكلتك؟
سلطان : بي عندي بالسيارة صوت ونّة
صاحب المحل : قلت لي ونّة ، ها ..ها .. ما الك غير الجُعمُكّة
سلطان : شو يعني الجُعمُكّة!
صاحب المحل : هههههههه هاظا محمود الميكانيكي لكن لبقه بالمدينة الجُعمُكّة
سلطان : طيب وين صار محله؟
صاحب المحل : بتظلك ماشي لقدام وعند أول لودة بتوخظ عاليمين وبتعد ثالث محل بكون هاظ هو محل الجُعمُكّة
سار سلطان حسب مخطط ال (GPS ) ووصل لممبتغاه ، فوجد بالمحل المقصود رجلاً في العقد الخامس من عمره ، وبعد تبادل التحايا بينهما سلطان أخبر الميكانيكي (محمود الجُعمُكّة) بأنه يسمع صوت ونّة أثناء مسير السيارة . فوراً الميكانيكي قال لسلطان : ولا يهمك خيوه هاي بتلاقيها بيليا من البيليات فارطة ، هسع بغير لك اياها وبتصير السيارة مثل الحلاوة .
سحب محمود رافعة معدنية ووضعها تحت السيارة من الخلف وهم بالانبطاح ليبدأ العمل . لكن سلطان قال له : خيوه صوت الونّة بحسه انه من قدام مش من ورا ! ضحك محمود ضحكة صفراء وقال : خيوه أنت شو بعرفك بالميكانيك ، الونّة اللي بتحتشي عنها هاي بتكون وحدة من بيليات الجُعمُكّة ، لكن مع المشي بتحس انه صوتها بيجي من قدام . سكت سلطان وأنهى النقاش كونه لا يفقه في الميكانيك شيئاً . الميكانيكي ومن باب التسلية راح يشرح لسلطان عما سيفعل وخصوصاً بعد أن أدرك أن معلومات سلطان في الميكانيك كمعلومات جدتي في علوم الفضاء . وها هو يشرح له عن البككس وأجزاءه ومن ضمنها الجُعمُكّة . وهنا قاطعه سلطان وقال له : مشان هيك بقولوا لك محمود الجُعمُكّة . تبسم الميكانيكي وقال : أني أحسن واحد بفهم بالبككسات وكراكيشها . واستمر الحوار حيث الميكانيكي يتحدث عن بطولاته وسلطان المسكين يستمع ويهز برأسه .
أنتهى الميكانيكي من تركيب البيليا وطلب من سلطان أن يُجرّب السيارة بجولة قصيرة للتأكد من إختفاء صوت الونّة . ركب سلطان السيارة وسار بها تلك الجولة ليعود وهو عابس الوجه وقال للميكانيكي : خيوه صوت الونّة راح لكن صار يطلع بداله صوت تصفيرة . فوراً الميكانيكي قال له : يا زلمة هاي التصفيرة من البيليا عمنها جديدة ، لا تخافش خيوه بعد شوي بتبطل تسمع اشي . المسكين سلطان أذعن للميكانيكي ودفع له أجرته وغادر الكراج ولكن صوت التصفيرة اختفى ليحل محله صوت زقزقة وبعد ذلك حل صوت الدبدبة محل صوت الزقزقة فعاد للكراج وشرح للميكانيكي ما حدث معه .
الجُعمُكّة أعاد الكرّة ووضع الرافعة تحت السيارة من الجهة الخلفية ، ليعود سلطان ويخبره بأن الصوت من الأمام وليس من الخلف . لكن جواب الميكانيكي لسلطان كان نفس جوابه السابق (اي أنه مع مشي السيارة بتحس ان الصوت بيجي من قدام) . وبعد الفحص والتمحيص خرج الميكانيكي من تحت السيارة وقال لسلطان : صوت الدبدبة يا سيدي من عمود الدرايشفت اللي فايت بالجُعمُكّة ، شو رأيك أغيّره ؟ وافق سلطان كونه لا حول ولا قوة له أمام خبرة الجُعمُكّة الفنية .
وما أن هم بمغادرة الكراج وإذ بصوت جديد يعلو ولكن هذه المرة الصوت ليس صوت دبيب وإنما صوت صرك ، مما اضطره للمنادة على الميكانيكي وقال له وهو غاضب : جُعمُكّة تعال اسمع صوت هالصركة ، استغرب الميكانيكي من لهجة سلطان وقال له : أي هو أنت بدك تخوثني بهالكركعة ويقصد بالكركعة سيارة سلطان المتواضعة . لكن سلطان ثارت حفيظته وقال له : من الصبح وأني بحتشيلك انه الصوت من قدام مش من ورا !
ومع تأزّم الموقف طلب الميكانيكي من سلطان فتح غطاء المحرك وطلب منه أن يدوس على دواسة البنزين والمحرك في وضعية التشغيل . فعلاً داس سلطان على دواسة البنزين ليختفي صوت الصركة ويحل محله صوت طقطقة ، وبعد لحظات يختفي صوت الطقطقة وصوت المحرك معاً .

رائد_عبدالرحمن_حجازي

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى