الجلوة العشائرية ……. عقوبة جماعية لذنب فردي

الجلوة العشائرية …….عقوبة جماعية لذنب فردي
د. مجد القبالين
دكتوراه علم اجتماع / علم الجريمة

تُعتبر تركيبة السُكان في المُجتمع الاردني متنوعة وتتعدد فيها الثقافات الفرعية بين المُدن ، والريف ، والبادية . والجميع من اصول عشائرية بغض النظر عن مكان السكن والاقامة ، وبالرغم من الانفتاح التكنولوجي الحاصل إلا ان المُجتمع الاردني خصوصاً والمُجتمعات العربية عموماً لا تزال تحتفظ بالكثير من القيم والمبادئ وسمات النظام العشائري ، فبالرغم من اختلاف السلوكيات الفردية وتطبعها بالعولمة العالمية والتي طالت الجوانب الاجتماعية واستخدام اسلوب اللغة العربيزي كلهجة محكية بين افراد المُجتمع إلا ان المُجتمع عموماً لا يزال مُنصبغ بالصبغة العشائرية ، فلا زال مُجتمعنا يعاقب على جرائم الشرف بالقتل ، ويستخدم السلاح حتى خلال المُناسبات المُفرحة ، ولا تزال ثقافة حيازة السلاح موجودة كجزء من الموروثات الاجتماعية العشائرية لدينا ، إضافةً لذلك الجلوة العشائرية وما يترتب عليها من تفكيك للروابط الاجتماعية بين افراد العشيرة الواحدة ، وبين العشائر عموماً وخصوصا المتنازعة فيما بينها ، وبالتالي التأثير على النسيج الاجتماعي للمُجتمع الاردني ككُل.
ويُقصد بالجلوة العشائرية : القيام بترحيل اهل الجاني وخمسة اي حتى الجد الخامس من المنطقة التي يسكُنها الى منطقة بعيدة عن اهل المجني عليه وذلك للمُحافظة على ارواح ومُمتلكات اهل الجاني وعدم وقوع المشاكل وخاصةً في الساعات الاولى من وقوع الجريمة والتي تُسمى عند القبائل والعشائر العربية عموماً (فورة الدم) ويتم ذلك من خلال تهدئة النفوس عند اهل المجني عليه من خلال ما يُسمى بالعطوة العشائرية.
وعلى مر التاريخ لا يُمكن انكار دور العشيرة في القيام بالضبط الاجتماعي للأفراد وضبط سلوكهم الاجتماعي والقيام بتهدئة النفوس في قضايا الجلوة العشائرية وعدم توسيع النزاع بين المُتخاصمين ، فالكثير من القضايا العشائرية لم تُحل قضائياً إلا بعد السير بالإجراءات العشائرية المُتبعة ، وفي حالة الصُلح بين المُتخاصمين يُصبح من السهل على رجال القضاء إنهاء القضية عشائرياً ولا يبقى سوى عقوبة الحق العام ، وهنا لا يتم تقديم دور القانون بل يكون الحل والربط بيد العشيرة يليها القانون.
وتُعتبر الجلوة العشائرية عقوبة جماعية فيها إجحاف بحق افراد ومجموعات ليس لديهم ذنب في الجريمة التي وقعت سوى انهم تربطهم صلة قرابة بينهم وبين الجاني واهله ، وبالرجوع الى تاريخ حياة العرب كان من السهل تطبيق الجلوة العشائرية ؛ لأن العرب قديماُ كانوا يتنقلون بمكان سكانهم من خلال الخيم او بيوت الشعر فكان من السهل جداً ان يُغير مكان سكنه وبالعامية يُقال( هد خيمتك وارحل ) وخصوصاً انه لم تكن تربطه مصالح بالمكان الذي يعيش فيه يتعذر ان يبتعد عنها ، اما في وقتنا الحالي فالبيوت مصنوعه من الاسمنت وهي بيوت ثابته ويعيش الافراد في شقق ومنازل ولديهم مصالح في نفس المكان الذي يعيشون فيه تتمثل بالوظيفة ، او وجود ابناء واقارب يدرسون بالمدارس او الجامعات لدى رب الاسرة او الشخص المعني بموضوع الجلوة العشائرية ، فتغيير مكان السكن يسبب خسائر كبيرة لمن يُطلب منهم مُغادرة مكان سكنهم.
قديماً كان الحُكم والقضاء العشائري هو المُطبق وهو الذي يبت ويفصل في قضايا المشاكل والجرائم عند وقوعها واذا استمر تطبيق النظام العشائري فهو يحتوي في مضامينه اعتداء على دولة القانون والأمن والأمان وتعدي على الدولة المدنية (وهي الدولة التي تُحافظ وتحمي كل اعضاء المُجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم القومية او الدينية او الفكرية ووجود سُلطة عُليا هي الدولة التي يلجأ لها الافراد عندما يتم انتهاك حقوقهم او تُهدد بالانتهاك ، فالدولة هي التي تُطبق القانون وتمنع الاطراف من ان يطبقوا اشكال العقاب بأنفسهم) ، فالجاني عندما ارتكب جريمته لم يستشير احد من اقاربه قبل ارتكابها ، فليس من المنطق مُعاقبة افراداً ليسوا طرفاً بجريمة القتل سوى رابطة العشيرة بينهم وبين الجاني في دولة تُدعى (دولة قانون).
واقترح حلول للحد من الجلوة العشائرية لأشخاص ليس لهم ذنب فيها….
– ان يتم تطبيق الجلوة العشائرية على الاشخاص الذين تربطهم بالجاني صلة قرابة من الدرجة الاولى فقط أي الاخوة وعدم توسيع دائرتها لتصل لأبناء العمومة ؛ للحفاظ على ارواحهم وكحل مؤقت لحين تهدئة النفوس.
– تفعيل دور الاجهزة الامنية في تطبيق اجراءات الأمن ، وتفعيل دور القوانين وجعلها تترأس الدور في البت والفصل في قضايا العشائر مع عدم اهمال ور العشيرة.
– ضرورة التوعية للعشائر وشيوخها بموضوع الجلوة العشائرية وان لا تُطال العقوبة افراداً ليس لهم ذنب ولا تطال اعداد كبيرة منهم.
– وضع الجاني بالسجن والاقتصاص من الجاني فقط ؛ لأنه هو مرتكب الجريمة وليس احداً غيره.
– ضرورة تفعيل دور القانون وتطبيق العقوبات الرادعة من خلاله وعدم ترك تطبيق العقوبة للأفراد والعشائر نفسها ؛ لأن العقوبات المُطبقة من قبل العشيرة ونظامها تقوم على مبدأ الانتقام الجماعي او الاقتصاص الجماعي والعقوبة الجماعية لأفراد ليس لهُم ذنب ، ولا تقوم على مبدأ العقوبة الفردية والاقتصاص الفردي من مُرتكِب الجريمة.
– ضرورة وجود شيخ وكبير لكل عشيرة لديه درجة عالية من الحكمة والعقلانية والاتزان بما يكفي للمُساهمة في البت في قضايا العشيرة بأقل الخسائر؛ لأننا لا نستطيع الغاء دور العشيرة والنظام العشائري داخل مُجتمع شرقي وعشائري مُحافِظ ، فنحن نستطيع إعادة تصحيح دور العشيرة واعادة تدوير (دور النظام العشائري) بشكل نجعله اكثر تناغُماً مع القوانين والانظمة وقوانين الدولة المدنية ولا نستطيع الغاء وجوده بالكامل.
– ضرورة بناء علاقة تكاملية ومنسجمة بين النظام العشائري ونظام القوانين ودور المحاكم داخل الدولة المدنية للبت في القضايا العشائرية وعدم جعل تلك العلاقة تأخذ منحى الصراع.
واخيراً……….
فإننا كمُجتمع عربي مُسلم له تاريخ بقيم التسامُح والكرم والاخوة ويدين بديانة الاسلام التي تؤكد على ضرورة وجود قيم التسامُح لا بُد من التوعية بضرورة تطبيق تلك القيم وتطبيق العقوبات التي نص عليها الدين الاسلامي ، فنحن لا نستطيع الغاء دور العشيرة بجرائم قتل قصدية او جرائم الشرف ؛ لأنها بالأصل هي جرائم تهز النظام العشائري وتخل باستقراره بالكامل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى