الجربوع

الجربوع

فؤاد الجندي

أودُّ في بداية هذا المقال أن أعتذر من #الجربوع ومحبّيه بصفته كائن خلقه الله يسبح بحمده ، ويعيش معتزلاً البشر في قيظ الصحراء “كافينا خيره وشرّه” ، وأتمنّى من محبّي هذه الكائنات تقبّل المقال بصدر رحب وروح رياضيّة.


ليس جديدا على البشر استخدام #الحيوانات بأسمائها وصفاتها لشتم أو مدح بعضهم البعض ، وكما تتباين الاستخدامات باختلاف الثقافات وقربها أو بعدها من بعضها ، نجد أن استخدام أسماء الحيوانات في إطلاق بعض الصفات المعيّنة على نماذج من البشر يكون غير دقيق في بعض الأحيان ، وربما كان كتاب الحيوان للجاحظ أفضل وأشمل الكتب التي اطّلعت عليها في هذا المجال ، على أنّنا نحبُّ صفات القوّة في الحيوانات فنطلق أسماءها على أبنائنا ، فنحن نسمّي أولادنا أسد وليث وغضنفر وقسورة والحارث وذيب ونمر وفهد وسبع وسبيع وصقر وشاهين وعقاب ، ونطلق على بناتنا أسماء ناعمة لكائنات لطيفة مثل غزالة ويمامة وعندليب ورشا وحسّون وظبية وغيرها الكثير ، ونشتم بعضنا بأسماء لحيوانات نحتقرها مثل الكلب والكلبة والقرد والحمار والخنزير والسعدان والببغاء والجربوع.
الجربوع حيوان ثدي صغير الحجم ، ينتمي إلى فصيلة القوارض ، ويعيش في صحاري شمال إفريقيا وآسيا ، قد يصل عمرها إلى ست سنوات ، وتستطيع أن تتخيّله كفأر صحراويّ لكن بمواصفات خاصّة ليتكيّف والعيش في قيظ الصحراء ولهيبها ، وعادة يُستخدم كشتيمة عندما نريد أن نصف شخصا حقيرا صغير الشأن ، وواضح أن هذا الوصف مستمدٌّ من البيئة العربيّة البدويّة ، غير أن نظرة قريبة للجربوع تجعلنا نلاحظ مزايا أخرى تفتح لنا المجال لإطلاق توصيفات أكثر دقّة للبشر الذين يوسمون بأنهم جرابيع.
فالجربوع يمتلك أذنين كبيرتين وقدرة على السمع كبيرة جدّا ، وساقين طويلتين قويتين تمنحانه القدرة على القفز لارتفاعات عالية ومسافات طويلة ، ولون مموّه تجعله يخادع من يراه فلا يعلم إن كان حقيقة أم وهم ، بالإضافة إلى أنه حيوان ليليّ ، يظلُّ طول النهار في جحره ويخرج ليلا ليقتات على جذور النباتات والخنافس والحشرات الصغيرة.
بعض الذين نشاهدهم في الحياة العامة يتصّفون بهذه الصفات ، فأذنيهم الكبيرتين أهّلتهم للاستماع بعناية إلى شكاوى الناس والأخبار من وهناك ونقلها لمن يهمّه الأمر بدافع “وطنيّ” ولا مانع لو ترافق مع مقابل ماديّ ، تزلّفهم وقدرتهم على “الوتوتة” الكبيرة وتقرّبهم من أصحاب القرار تؤهّلهم لإجراء قفزات هائلة لملء جيوبهم وتعزيز مكتسباتهم ، ولأنّهم لا يمتلكون أي إرث سياسي حقيقي غير الجعجعة نجدهم دائما جاهزون للقيام بأحقر الأدوار وأسفلها ، فهم مسحّجون ومهرّجون وشهود زور وبلاطجة متى اقتضت الحاجة ، وتجدهم يتموّهون ويتلوّنون بحسب المكان والزمان اللذان يوجدون فيه ، فلا لون لهم لأنّهم ببساطة أحقر من أن يفرضوا لونهم على أحد أو حتّى يتمسّكوا بشخصيّتهم لأنّهم بلا شخصيّة من الأساس ، وكعادة اللصوص التي لا تنشط إلّا ليلا تجد أسماءهم في كلّ قضايا الفساد وسرقة الوطن.
على مبدأ “اللي على راسه بطحة يحسّس عليها” ، وكما تقول إحدى نظريّات علم النفس ، فإنّ الذي يمتلك عقدة نقص أو يتّصف بصفات معيّنة سيّة ، أويرى نفسه على هيئة حيوان ما مثلا ، يقوم بإطلاق ما يتصف به من صفات رذيلة على أعدائه ، والأمثلة على ذلك كثير ، لذلك نتفهّم عندما يشتم الجربوع عدوّه اللدود ، #الصقر ، ويطلق عليه وصف الجربوع.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى