الالتزام بمحددات التوقيف القضائي كأحد معايير نزاهة القضاء وحياديته

الالتزام بمحددات التوقيف القضائي كأحد معايير نزاهة القضاء وحياديته
المحامي الدكتور حازم سليمان التوبات

التوقيف القضائي هو إجراء من اجراءات التحقيق أو المحاكمة يوضع بموجبه المشتكى عليه أو المتهم وبقرار من المدعي العام أو المحكمة المختصة في الحبس لمدّة محددة وضمن ضوابط حددها القانون ، وهذا الإجراء هو اجراء استثنائي تقتضيه مصلحة التحقيق أو المحاكمة العادلة.
وتتمثل استثنائية هذا الاجراء في انه يتعارض مع مبدأ دستوري وضمانه مهمة من ضمانات المحاكمة العادلة ألا وهو مبدأ قرينة البراءة. هذا المبدأ منصوص عليه في الدستور الاردني في المادة (101/4 ) التي تنص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم قطعي .ومؤدى قرينة البراءة أن تتم معاملة المتهم ومهما كانت جسامة الفعل المنسوب اليه معاملة البرئ من التهمة المسندة اليه حتى يثبت ارتكابه للفعل بحكم قضائي قطعي . وتجد قرينة البراءة سندها الشرعي في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فان وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله ، فان الامام لئن يخطئ في العفو ، خير من ان يخطئ في العقوبة).
وقد تأكدت استثنائية التوقيف في المادة( 114) من قانون اصول المحاكمات الجزائية الاردنية التي بينت كذلك الحالات التي يجوز فيها التوقيف وهذه الحالات جاءت على سبيل الحصر فلا يجوز التوسع فيه أو القياس. حيث نصت على أن التوقيف هو تدبير استثنائي ،
ولا يكون التوقيف إلا إذا :
1. كان هو الوسيلة الوحيدة للمحافظة على أدلة الإثبات أو المعالم المادية للجريمة.
2. أو للحيلولة دون ممارسة الإكراه على الشهود او على المجني عليهم.
3. او لمنع المشتكى عليه من اجراء أي اتصال بشركائه في الجريمة أو المتدخلين فيها أو المحرضين عليها.
4. أو أن يكون الغرض من التوقيف حماية المشتكى عليه نفسه أو وضع حد لمفعول الجريمة أو الرغبة في اتقاء تجددها أو منع المشتكى عليه من الفرار.
5. أو تجنيب النظام العام أي خلل ناجم عن الجريمة .
من خلال هذا النص القانوني نجد أن المشرع قد نص على أن التوقيف هو تدبير استثنائي يجب عدم اللجوء اليه الا في اضيق حدود ووفقا لما تقتضيه مصلحة التحقيق أو المحاكمة, انطلاقا من المبدأ القضائي الذي يقول أن الاستثناء يقدر بقدره.
ونظرا لخطورة التوقيف وتعارضه مع مبدأ قرينة البراءة فقد نص قانون أصول المحاكمات الجزائية على بدائل للتوقيف يجب على القاضي أن يلجأ اليها في القضايا الجنحية وهذه البدائل نصت عليها المادة (144) مكرر والتي جاء نصها كألاتي:
1. في ما خلا حالات التكرار، للمدعي العام أو للمحكمة في الأحوال التي يجوز فيها التوقيف في الجنح أن يستعيض عن التوقيف بواحد أو اكثر من التدابير التالية :
أ. الرقابة الإلكترونية.
ب. المنع من السفر .
ج. الإقامة في المنزل أو المنطقة الجغرافية وتكليف الشرطة بالتثبت من ذلك.
د. إيداع مبلغ مالي أو تقديم كفالة عدلية يعين المدعي العام أو المحكمة مقدار كل منهما.
ه. حظر ارتياد المشتكى عليه أماكن محددة.
هذا النص بين أن التوقيف في القضايا الجنحية ليس له أولوية في التطبيق وانما يجب على المدعي العام أو القاضي أن يلجأ لتطبيق هذه الوسائل ولا يلجأ لخيار التوقيف إلا اذا
أخل المشتكى عليه بأي من التدابير السابقة المتخذه بحقة .

هذه الضوابط والمعايير التي نص عليها قانون أصول المحاكمات الجزائية هي بمثابة محددات وقيود على صلاحية المدعي العام أو القاضي يجب عليه أن يلتزم بها ولا يتوسع في تطبيقها تحت طائلة مخالفته للقانون المكلف بتطبيقه على كل من يخالفه. وهذه المعايير والضوابط لا يجب النظر اليها بمعزل عن احكام الدستور في هذا المجال حيث نصت المادة 8 من الدستور على أنه ) لا يجوز أن يقبض على أحد أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته إلا وفق أحكام القانون. وكل من يقبض عليه أو يوقف أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامة الإنسان, ولا يجوز تعذيبه, بأي شكل من الأشكال, أو إيذاؤه بدنياً أو معنوياً, كما لا يجوز حجزه في غير الأماكن التي تجيزها القوانين, وكل قول يصدر عن أي شخص تحت وطأة أي تعذيب أو إيذاء أو تهديد لا يعتد به.
كما أن لجوء القاضي الى التوقيف في القضايا الجنحية دون الاخذ بالوسائل البديلة التي نصت عليها (المادة 114 مكرر) ودون تقيده بالمعايير والضوابط المنصوص عليها في (المادة 114) يشكل خطأ جسيم يصل لحد الاعتداء على الحقوق والحريات الذي جرمته المادة 7 من الدستور التي تنص على كل اعتداء على الحقوق والحريات العامة أو حرمة الحياة الخاصة للأردنيين جريمة يعاقب عليها القانون.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى