مشاركتي التي لم تفز في جائزة سواليف – اللغز المونديالي

[review]
اللغز المونديالي

حتما سأجد حلا ، هذه العبارة التي كان يرد بها يزيد على كل من يحاول أن يحبط من معنوياته ويقوض من طموحة . حتما سأجد حلا لم تكن مجرد عبارة يتلفظ بها صاحب الثماني سنوات وحسب ، بل أنها أمست منهج حياة لطفل لم تلطخ مشاكل الحياة ذكائه الفطري وانتمائه العربي .

فمنذ أن أُعلن رسميا عن فوز دولة قطر العربية بأحقية استضافة مونديال عام 2022 ، ويزيد يحاول أن يساهم في حل لمشكلة درجات الحرارة المرتفعة في صيف قطر . وعلى الرغم من أن دولة قطر وعدت الجميع بالمفاجئة المتمثلة في تكييف درجة الحرارة العالية لتتناسب وأجواء كرة القدم المثالية ، إلا أن يزيد لا زال يخشى من الأفكار المكلفة ماديا ، خاصة وانه يطالع تحديثات الأخبار التي تتكلم عن المونديال القطري ، وعلم انه لا يوجد فكرة محددة غير أن هنالك اقتراحات بعمل غيوم اصطناعية تثبت فوق الملاعب ، وهي فكرة مكلفة طبعا .

استغل يزيد فرصة الإجازة الصيفية ( إجازة نهاية العام الدراسي ) وكثف من التفكير في محاولة منه للخروج بفكرة غير مكلفة ، يقيننا منه بأنه لا يوجد أي رابط ما بين عبقرية الفكرة وتكلفتها ، خاصة وانه قرأ من قبل قصة رواد الفضاء الأمريكيون مع قلم الجبر ، وقصة مصنع الصابون الياباني . ليس هذا فقط ، بل انه كان يحاجج أبويه بـ كلتا القصتين ، ويذكرهما بهما كلما طلبا منه عدم المبالغة في التفكير ، وكلما ذكراه بعواقب التفكير المتعمق لفترات متواصلة .

مقالات ذات صلة

( .. يا بابا ، يا بابا يحكى أن رواد الفضاء الأمريكيون واجهوا صعوبة في الكتابة نظرا لانعدام الجاذبية وعدم نزول الحبر إلى رأس القلم ، وللتغلب على هذه المشكلة أنفقت وكالة الفضاء الأمريكية ملايين الدولارات على بحوث استغرقت عدة سنوات . أما رواد الفضاء الروس فقد تمكنوا من التغلب على المشكلة بلا نفقات و لا تأخير وذلك باستخدام قلم رصاص .. ) . و بهذا كان يستطيع يزيد أن يسكت صوت والده الذي كان يقول له بأن المعضلة القطرية لن تحل إلا بملايين الدولارات .

وإذا ما حاولت أمه حثه على تجاهل الأمر ورده إلى أصحابه الذين هم الأقدر و الأجدر على أيجاد الحلول ، خاصة وانهم مقتدرين ماليا كونهم من أصحاب الثروات النفطية ، كان يذكرها بقصة مصنع الصابون الياباني ( .. يا ماما ، يا ماما حينما تلقى مصنع صابون في اليابان شكوى من عملائه تفيد بأن بعض العبوات خالية ، اقترح مهندسو المصنع تصميم جهاز يعمل بأشعة الليزر لاكتشاف العبوات الخالية خلال مرورها على سير التعبئة ثم يتم سحبها آليا ، وهذه الطريقة يا ماما مكلفة كثيرا ، غير أن أحد العمال اقترح فكرة بسيطة وغير مكلفة ، بحيث يتم وضع مروحة كبيرة ويتم توجيهها على سير التعبئة ، فيقوم الهواء بإسقاط العبوات الفارغة وتبقى فقط العبوات الممتلئة .. ) .

كان يزيد دائما ما يردد (( أليست هذه فكرة جميلة ؟؟!! أليست هذه فكرة بسيطة ؟؟!! إذا كنا نستطيع أن نفكر كما فكر الروس وكما فكر اليابانيون فحتما سأجد حلا ، حتما سأجد حل )) .

مضى شهرين ونصف الشهر ، ولم يبقى من العطلة الصيفية إلا أسبوعين . مضى ما مضى من العطلة الصيفية دون لعب ودون مرح ، جهاز ( البلاستيشن ) الذي حصل عليه يزيد كـ هدية من والده نظير تفوقه الدراسي لا يزال في عبوته دون مساس ، على الرغم من أنه كان من أولى أولويات يزيد قبل التفكير في موضوع المونديال القطري . الدراجة الهوائية التي كافح يزيد من أجلها ، ولم يخسر سوى ثلاثة علامات خلال عامة الدراسي السابق طمعا في قيادتها ، لا زالت تنتظر فارسها .

يمر اليوم تلو اليوم ، العطلة الصيفية تتقلص ، ولا يزال يزيد معتكفا في غرفته . تمضي الأيام وتبدأ الاستعدادات للعام الدراسي الجديد . وفي محاولة أخيرة من الأب الذي كاد قلبه يتقطع على صغيرة الذي لم يستمتع بالعطلة كما استمتع بها الرفاق ، وفي محاولة للحاق بأيام أخر أسبوع من العطلة ، يجلس الوالد مواسيا ولده …

الأب : لقد أرهقت نفسك يا بني

يزيد : اعلم ذلك ، كنت أتمنى أن اصل إلى فكرة توفر علينا أنفاق الدولارات

الأب : جميل هذا الانتماء ، وجميل هذا الحس العربي ، لكن لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .

يزيد : نعم ، لا زال هنالك أسبوع و أنا واثق من قدرتي على الخروج بفكرة جيدة

الأب : يزيد ، لقد مر اكثر من شهرين ونصف الشهر وأنت لم تستمتع بالعطلة

يزيد : ومن قال لك أنني لم استمتع …

الأب : بني ، قم وافتح النافذة ، أخرج إلى الحديقة ، انظر إلى من هم في عمرك . بني أن شمس العطلة بدأت بالغروب فأغتنمها ، ألا تريد أن تلعب بـ ( البلايستيشن ) ؟؟!! ألا تريد أن تقود دراجتك الهوائية ؟؟!! .

يزيد : أبي …

الأب : اسمعني يا بني ، من حق جسمك عليك أن يأخذ قسطا من الراحة ، وأنت أهلكته في عامك الدراسي ، و ها أنت تهلكة في التفكير .

يزيد : أرجوك أبي ، لقد سمحت لي بأن أحاول طيلة الأسابيع السابقة ، فلا تبخل عليّ بأسبوع واحد .

الأب : لقد فكرت وفكرت وفكرت ، هل تستطيع أن تقول لي ما هي نتائج تفكيرك ؟؟!! . صدع وتعب وإرهاق …

يزيد : وفشل .. أليس كذلك ؟؟!!

الأب : بني ، أنا أتمنى أن تقوم معي ألان هاجرا للتفكير ، مطلقا لعنان اللعب والمرح .

يزيد : ليس بعد يا أبي

يضرب الأب كفيه ببعضهما البعض ، يخفض رأسه للأسفل ، مستغفرا لله بصوت خافت . يصمت قليلا ثم يرفع رأسه محاورا من جديد ..

الأب : اسمعني يا يزيد ، هذه أخر محاولة سوف أحاولها معك ، وبعدها سوف أقوم وأمك بوضع الدراجة الهوائية وجهاز ( البلايستيشن ) في المخزن ، و وقتها لن يتسنى لك اللعب فيهما إلا في العطلة الصيفية المقبلة .

بني ، أن من تحاول أن تساعدهم في فكرة تجنبهم إحراج عدم إيفائهم بالوعد ، هم أول من أحرجنا نحن الأردنيين عندما اتهمونا زورا أمام العالم اجمع ، وقالوا بأننا قمنا بالتشويش على نقل مباريات المونديال السابق . وإذا كانت فكرتك تحاول أن توفر عليهم نقودهم فهم يتاجروا في بث المباريات ، وهم لم ولن يمكنوننا من مشاهدتها إلا بعد أن نقوم بتسديد الاشتراكات .

يزيد : بابا ،،، أنا أتكلم عن دولة قطر ، وأنت تتكلم عن قناة الجزيرة الرياضية !! . بابا أنا أحببت البحث عن فكرة ، وأنا مستمتع في محاولاتي المتكررة للمساعدة . أرجوك أبي ..

يقف والد يزيد ، ماسحا بيده على رأس ابنة الصغير …

الأب : لا ضير يا بني ، لا ضير . أفعل ما تشأ يا عزيزي ، لكن عليك أن تعي أن بداية العام الدراسي هي ذاتها نهاية استمتاعك بفكرة أيجاد الفكرة .

يقف يزيد ماسكا يد والده .. مقبلا لها

يزيد : شكرا لك والدي .

يخرج الوالد من الغرفة ويغلق الباب خلفة ، ويعود يزيد إلى تجميع أفكاره من جديد . بعد اقل من دقيقتين يدق الباب ، وتدخل أم يزيد وهي تناظر ولدها بنظرات من الحزن والعطف ممزوجة بنظرات العتاب، ودون أن تقول له شيئا ، تتجه إلى زاوية من زوايا الغرفة وتقوم بحمل جهاز ( البلايستيشن ) بينما طفلها يناظرها بنظرات الحائر المتردد ، وما أن تدير ألام ظهرها حتى يندفع أليها يزيد يقبل يدها ويرجوها عدم الغضب ، ومتمنيا أن تكثف له الدعاء .

بينما هم كذلك يدخل والد يزيد ويتجه إلى نفس الزاوية التي كان بها جهاز ( البلايستيشن ) ، فيقوم بحمل دراجة هوائية لازالت تحتفظ برونقها وأكياس تغليفها .

تتكلم الوالدة بعطف وحنان

الأم : هل ترغب في اللعب يا بني ؟؟ .

يتلعثم يزيد في الكلام . فيضع الوالد الدراجة الهوائية أرضا ، و يكلمه بلهفة المستبشر ..

الأب : لازال هنالك وقت يا بني

يستدير يزيد بجسمه إلى الجهة المعاكسة لوالديه ، ويكلمهم بلهجة الواثقين ..

يزيد : ادعوا لي بأن أتوفق في إيجاد فكرة مناسبة ، و أرجوكم ضعوا ألعابي في مكان مناسب في المستودع كي لا يصيبهما أي مكروه .

ينظر الوالدان إلى بعضهما البعض ، و يحمل والد يزيد الدراجة الهوائية ، ثم يخرج بصحبة زوجته من الغرفة . يسير يزيد خلف والديه ويغلق الباب ، ثم يستلقي على تخته وهو يقول مكلما نفسه (( أما هذه العطلة فلقد وهبتها لقطر ولإخواننا القطريين ، وأما العطلة القادمة فسوف تكون لك يا جسدي ، وسوف تكون لك يا عقلي ، وان شاء الله سوف أستطيع لاحقا أراحتكما ، أما ألان فلا هم عندي ولا عمل إلا ما بدأت به )) .

يبدأ صوت يزيد يخفت شيئا فشيئا ، وتبدأ عيناه تذبلان شيئا فشيئا ، فتغلق جفونه تدريجيا … وينام . دقيقة ، دقيقة ونصف … دقيقتان وربما أقل قليلا …

يتقلب يتبسم … يحلم … … هناك في الحلم …

(( .. صالة واسعة جدا ، ديكورات أعطت الصالة فخامة وعظمة ، مدرجات متعددة اكتظت بالجمهور العريض ، منصة راقية احتضنت بين جنباتها شخصيات رياضية وسياسية واجتماعية وفنية مرموقة ، سجاد احمر تزاحمت على أطرافه وعلى امتداده عدسات المصورين … وفي غمرة هذا التأمل ، ينادي راعي الحفل بصوت جوهري ( صاحب الفكرة العبقرية الطفل يزيد علي الحجاج ) فتتعالى الهتافات و تملئ القاعة بالتصفيق والتصفير والنداء ، ويتهافت المصورين لـ التقاط صور الطفل المتوجة إلى درجات المسرح ، وقد وقف الشيخ ابن همام مستقبلا ..

بعد السلام ، يجلس يزيد في المكان المخصص له على المسرح ، و يبدأ الشيخ ابن همام بالتعريف بفكرة يزيد العبقرية ، وكيف ساهمت وبشكل فاعل في تجنيب دولة قطر الإحراج العالمي . ثم يُعلِن عن وجود مفاجئة قطرية، تعد بمثابة تكريم للطفل المبدع ، موعدها المباراة الافتتاحية للبطولة … )) .

يتقلب يزيد يمينا وشملا والابتسامة لا تفارق شفتيه …. ثم يهذي بكلمات متقاطعات ( الافتتاحية .. الآن .. بدأت .. مباراة .. قطر .. المكسيك .. ) وعلى الأغلب حان وقت المباراة الافتتاحية في الحلم … فجأة ، يتوقف يزيد عن الحراك ، ثم يتوقف عن الهذيان .. فتتلاشى الابتسامة من على وجهه ، ثم يقفز مستيقظا فزعا صارخا (( ..لا أريد التكريم .. لا أريد المونديال … لا أريد ، لا أريد لا أريد .. ))

يُفتح باب الغرفة بقوة ويدخل والداه متلهفين خائفين على وحيدهما ، وبعد أن يحضنانه ويسقيانه شربة ماء ..

الأب : ما بالك يا بني ؟؟!!

يزيد : لا أريد أن أفكر في المونديال

ألام : هذا افضل ، ولكن لماذا ألان ؟؟!!

يستأذن يزيد والدية بالخروج للعب مع أصدقائه ، فيُسمح له على الفور ، فينطلق للعب ولا يعود إلى المنزل إلا وقد أهلكه التعب . وفي اليوم التالي يُسمح ليزيد بإخراج الدراجة الهوائية و ( البلايستيشن ) من المستودع ، فيبقى يلعب ويلعب ويلعب حتى يأتي الليل فينام من شدة الإرهاق . كادت الحيرة تقتل الأب و ألام ، خاصة وان يزيد تعذر عن البوح بأي كلمة حتى تنتهي العطلة تماما ، رغبتا منه في عدم تضييع الوقت وطمعا في استثمار كل ثانية باللعب والتنفيس عن النفس .

بعد أيام .. رن جرس المنبه ، أنها الساعة السادسة صباحا ، و للمرة الأولى منذ زواجهما يتسابق الوالدان على القيام من الفراش ، متسابقين أيهما يصل يزيد أولا ، متدافعين متزاحمين ، طمعا في إرضاء فضولهما بحل اللغز المونديالي . وما أن يصل الأبوين إلى غرفة صغيرهما ، حتى يذكرانه بوعده ..

ينظر يزيد إلى والدية مبتسما ويقول (( حلمت بأن ابن همام وعدني بالتكريم نظير فكرتي التي جنبت القطريين الإحراج العالمي ، غير أن ابن همام أجل تكريمي إلى المباراة الافتتاحية التي كانت بين منتخبا قطر و المكسيك . بعد أن دخل الفريقين إلى أرض الملعب وقبل أن يعلن الحكم انطلاق المباراة ، قام أبن همام و أعلن عن مفاجئة تكريمي المتمثلة في وضع صورتي على الكرة المونديالية …

توقفت ونظرت جيدا إلى حيث الملعب فإذا بي أرى اللاعب المكسيكي وقد واضع قدمه اليمني في منتصف وجهي ، منتظرا صافرة البداية )) .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى