الأقل حظا أم الأقل رعاية؟؟ / راتب عبابنة

الأقل حظا أم الأقل رعاية؟؟
لقد اخترعت الحكومات المتعاقبة العديد من المصطلحات التخديرية والتسويقية التي تحاول من خلالها تغطية تقصيرها وشرعنة خذلانها لفئة الغالبية من الأردنيين سكان القرى والبوادي. وبذلك تحاول تبني قاعدة التنشئة الإجتماعية القائمة على التكرار بقصد غسل الأدمغة حتى يرى الناس ما تراه الحكومة فقط.
وبهذه النمطية تحمّل الناس الضعفاء والبسطاء والفقراء مسؤولية تبعات تواجدهم بمواقع جغرافية توارثوها عن الآباء والأجداد. وتلك نظرة تعالي لا تستقيم مع الحكم الرشيد والحكومة التي تشكلت لتخدم الوطن والأمة. ولسان حال الحكومة يقول نقدم لكم خدمة اقتطعناها ممن يستحقونها.
والمصطلح التخديري والإستعلائي والذي يقسم الأردنيين لمحظوظين وغير محظوظين تم التخفيف من قسوته فأخرجوه باسم “الأقل حظا”. يكثر مسؤولونا دون خجل أو وجل من استخدام وترديد هذا المصطلح بنشوة وحبور وشعور يعتريه الغرور والنفاق وهم بإدراك أو بغيره يصنفون الشعب حسب أهوائهم مما يخلق هوة خطيرة بين التصنيفين. فالخير للمحظوظين أو أصحاب الحظوة تحصيل حاصل وأما فئة “الأقل حظا” فلتنتظر ما يمكن أن تتفضل به الحكومة أو يزيد بعد تأمين فئة المحظوظين.
السؤال: لماذا هذا التصنيف الطبقي الذي يصرون على تكريسه وترسيخه وكأننا دولة شيوعية اشتراكية بها الطبقة الحزبية الحاكمة المتسيدة والطبقة المحكومة التي تأكل وتلبس وتسكن وتعمل وتقاد كالقطعان عقولها معطلة وحقوقها كبشر مجمدة؟؟
فهل من يسمونهم “الأقل حظا” هم فعلا كذلك أم هم الأقل رعاية واهتماما والأكثر مصادرة لحقوقهم والأقل فرصا بالتوظيف؟؟ أليس من صميم واجب الحكومة أي حكومة خدمة المواطن أينما تواجد سواء داخل العاصمة أو في الرويشد أو حتى خارج الأردن؟؟
عمر الفاروق رضي الله عنه كان يشعر بمسؤوليته الشخصية المباشرة عن دابة فكيف بالإنسان إذا تعثرت بالعراق وهو في المدينة المنورة. لا يمكنكم أن تكونوا كالفاروق لأنكم لستم أصحاب أهلية، لكن بإمكانكم تحري العدالة والصدق والتوقف عن التدليس والخداع. والفاروق لم ينسب تعثر الدابة لقلة حظها وبعدها عن المدينة المنورة بل اعتبره تقصير منه كحاكم ربما لم يوفر لها طريقا مستوٍ يقيها التعثر. وما ذلك إلا أرقى وأسمى درجات الإحساس بالمسؤولية وحمل هم الرعية حتى لو كانت دابة. فعندما تكون الحكومة جادة وذات نوايا صادقة وتصون امانة القسم وتؤمن بأنها المسؤولية عن تحقيق العدالة والتساوي، فلن تلجأ لتغطية تقصيرها بمصطلحات تقسيمية من خلالها تشعر المواطن المتعطش والمحتاج بفضلها ومنّها عليه وهي الموجودة لخدمته بالمقام الأول وتحسس احتياجاته وإدارة الشؤون العامة للناس أينما تواجدوا وإعطاء كل ذي حق حقه.
لنحتكم جدلا لمفهوم الحكومة لمصطلح “الأقل حظا” ويقابله افتراضا مصطلح “الأكثر حظا” إذ الشيء بضده يذكر أو يُعرّف. ما دمتم تؤمنون بهذا التصنيف وتعترفون ضمنا لا تصريحا بأن قسما له من الحظ أكثر من غيره، فلماذا لا يكون للأقل حظا نصيب الأسد من اهتمامكم ورعايتكم حتى توجدوا توازنا بشريا من خلاله ترفعون من حظ الأقل حظا ليتساوى أو يقترب من أولئك “الأكثر حظا”؟؟ وعندها تكونوا حققتم العدل وتعلمون وتعلم كل الدنيا أن العدل أساس الحكم.
أم يعجبكم النهج الإشتراكي الشيوعي من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته؟؟ وعندها يبقى العامل عاملا والكادح كادحا والوزير وزيرا والفقير فقيرا والغني غنيا. وقد ثبت لنا وبالتطبيق أنكم تأخذون بهذا النهج وهو ما أوصلنا لما نحن به من حال فنهجكم اشتراكي الروح والتطبيق. والجميع يعلم أن الإشتراكية والشيوعية منهجان كانا متغولان على الشعوب في البلدان التي في النهاية تحررت ونهضت شعوبها بعدما ملت وعانت من القهر وتحييد إنسانيتها وتجميد عقولها.
كثير من السلوكيات التي تبتدعها الحكومات مستمدة من الفكر الإشتراكي بسلبياته وليس بإيجابياته بل اجتزأت التسلطية والتغول الذي يقتل روح المبادرة والإبداع والتجديد والنهوض بالمجتمع وكل ذلك نابع من الشعور بالفوقية والأفضلية والأحقية مما خلق لديهم التّوَهّم بأحقية التسيد وامتلاك القرار وكيفية تفصيله ليخدم فئة دون أخرى.
لكن بالنهاية تغيرت الأنظمة الفردية ورضخت لإرادة شعوبها التي انتفضت لتخرج من عبوديتها وتعود لتمارس حقوقها وإنسانيتها التي انفطرت عليها ليتساوى ابن الشمال مع ابن الجنوب وابن الشرق مع ابن الغرب في الحقوق والواجبات. والمنطق يفرض القول بأن من هو أقل حظا حسب تصنيف الحكومات، فهو الأقل مسؤولية عند الحاجة لسؤاله والأقل تفاعلا وتعاونا مع الدولة أيضا عندما تستدعي الحاجة وذلك لإيمانه بأنه مهمش ومقصى فما الذي يدفعه للإنصياع والطاعة بالوقت نفسه تجد “الأكثر حظا” قد حزموا حقائبهم استعدادا لمغادرة البلد للنجاة بأنفسهم ويبقى “الأقل حظا” هم الذين يطلب منهم التصدي والدفاع والحماية. أليس جنودنا من أبناء الأقل حظا؟؟ وهم من نعول عليهم عند الشدائد، لكنهم بالنهاية بشر لهم عقول ومشاعر وطموحات وحقوق إن أهملت، فنحن مقبلون على مصير لا نرغب به وأبعده الله عنا.
مثلنا الشعبي يقول: “خذ حق واعطي حق” أي يا حكومة ويا نظام إذا قمتم بواجبكم تجاهنا، سنقوم بواجبنا تجاهكم. وتلك معادلة يتعامل على أساسها جميع البشر فرديا وجماعيا وحكما. فهل ذلك محقق؟؟ لا وألف لا. وبالتالي نحن أمام ظواهر اجتماعية تم افرازها بسبب التراكمات المجحفة والسياسات المهلكة.
ترى، أليس لنا عبرة في التغيير والإتعاظ مما حصل للهالك حسني مبارك والمنظّر القذافي والمستبد علي صالح والمتحكم بشار؟؟ ها نحن نذكّر وقد سبق وذكرنا ونبهنا مرارا لنصحو قبل وقوع الفأس بالرأس. وإني لأرى شبها كبيرا بين الأوضاع الآن وتلك التي كانت في بدايات ما سمي بالربيع العربي وأنا أسميه الإنفجار العربي. فعلى صناع القرار تدارك الأمور وتصحيح الأخطاء ووضع الوطن والمواطن على رأس الأولويات حتى لا نندم يوم لا ينفع الندم.
حمى الله الأردن والغيارى على الأردن والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى