الآثار التي قد يخلفها “عزل ترامب” على الشرق الأوسط

سواليف
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة – الخارجية الأمريكية
الانعزال حاصل لا محالة بصرف النظر عن قدرة أو رغبة الديموقراطيين الحقيقية في عزل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هذه خلاصة استباقية لما أراه في حال العزل الذي ما زلت أستبعده لاعتبارات عديدة. مدخلي إلى هذه النتيجة المقدمة التي لخصها واقع حال المؤتمر الصحفي الذي عقده ترامب الأربعاء بعد ساعات من انطلاق العملية العسكرية التي أطلق عليها نظيره التركي رجب طيب إردوغان اسم “نبع السلام” في شمال شرق سوريا. ترامب قالها بالفم الملآن: سأبر بوعدي الانتخابي القاضي بالانسحاب من الحروب التي لا نهاية لها ولا طائل منها. لن نقوم بدور شرطي العالم. لن نفصل في صراعات مزمنة ولا حاجة لنا للدخول طرفا في ثورات شعوب ضد نظم أو محتل. هذه ملخصات لأبرز ما قاله ترامب أمس قبل أن تدار دفة الصحفيين مرات ومرات باتجاه الموضوع المحلي الأول وهو عزل الرئيس.

المسألة لن تتوقف عند إعادة الانتشار في سوريا أو الانسحاب كليا من بلاد ليس فيها سوى “الرمال والموت” كما قال يوم فاجأ العالم لأول مرة بقراره الانسحاب والذي أطاح وزير دفاعه جيم ماتيس. ترامب يعد لا ريب لقرار مماثل مباغت على الأرجح في أفغانستان ولربما كوريا الجنوبية بل واليابان أيضا. “عليهم أن يدفعوا” لن تكون مطروحة على ما يبدو في حال نجاح ترامب في ولاية ثانية التي سيكرسها إن ظفر بها للشأن الداخلي الأمريكي بالكامل.

إن خطورة ما يجري بالنسبة لترامب لا يتمثل بالديمقراطيين فهو كفيل بهم إعلاميا وسياسيا وحتى قانونيا، فالهاجس الذي يؤرق الرئيس المهدد بالعزل هو “خيانة” أو تخلي عشرين عضوا في مجلس الشيوخ عن دعمه على غرار منافسه السابق في ترشيحات الحزب الجمهوري ميت رومني.

ففي حال نجاته أو فوزه بولاية ثانية، على الشرق الأوسط انتظار مزيد من السياسات الانعزالية من عيار “حلوا مشاكلكم بأنفسكم”. ولعل نداء الاستغاثة المالي الذي أطلقته الأمم المتحدة غير بعيد عن تذكير ترامب في المؤتمر الصحفي نفسه ألمانيا وسائر دول الناتو بتخلفهم عن التزاماتهم المالية. فلنا أن نتخيل ما ينتظر الشرق الأوسط، أوروبا والعالم بأسره في حال تحقيق هذا السيناريو.

أما افتراض العزل، فلا يقل عن الطرح السابق خطورة، لك أن تتخيل حال قادة الشرق الأوسط على وجه الخصوص عند إجراء أي مكالمة هاتفية مع ساكن البيت الأبيض أو حتى مرافقته أثناء استعراض حرس الشرف! نذكر مثلا ضجة العالم على خبر ويكيليكس بتجسس إدارة الرئيس الديمقراطي “الكرزماتي” باراك أوباما على الهاتف الخليوي الخاص بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. تخيلوا -افتراضيا- ما ستكشف عنه التحقيقات الأمريكية الداخلية من “صفقات” أو تفاهمات أبرمها ترامب مع نظرائه أو قادة من الصف الثاني من وراء ظهر ملوك ورؤساء حول قضايا جدلية تهم الرأي العام.

ختاما، “رب ضارة نافعة”، لعل هذا الإفراط بالشفافية الأمريكية لا ينتهي بتفريط. تفريط بكل ما صدّع به رؤوسنا الإعلام “الموجّه” التقليدي منه والافتراضي حول عنتريات في قضايا كبرى كالمديونية وأولويات الإنفاق وسياسات الصحة والتعليم و”صفقة القرن”! أصبح كل شيء “على المكشوف” فصارحوا شعوبكم يا سادة قبل فوات الأوان.

المصدر
سي ان ان
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى