اضراب المعلمين / عادل الخشاشنة

اضراب المعلمين – جبهات الصراع إلى أين.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم.
مخطئ من يعتقد أن طرفي الصراع في إضراب واعتصام المعلمين هما فقط الحكومة واعضاء نقابة المعلمين الذين يفوق عددهم مئة ألف معلم.
أن اضراب المعلمين هو دعوة من فئات الشعب المقهورة، التي انهكتها سياسات التجويع الحكومي المتعاقبة منذ أطلت علينا ببرامج التخاصية، حين تولى زمام القيادة لصوص المال والتشريع ودعاة الافساد وفساد المجتمع، فالاضراب موجه إلى أولئك الذين ما زالوا يجثمون على انفاس المجتمع ويريد أن يلقيهم في الجحيم، وهي ايضا ثورة على القهر والخنوع لسياسات الحكومة الانبطاحية تجاه أعدائها وزبانيتهم في الغرب والجنوب، وتجاه سياسات البنك الدولي، وهي ثورة الكرامة للمعلم والجندي والعامل والموظف تجاه الظلم في تصنيف الوظائف بين برجوازية مناصب أصحاب الحظوة وأبناء ذوات فساد المال والادارة واقربائهم وحاسبتهم وبين غالبية الوظائف التي لا تكاد تسد رمق مشغليها لتبقيهم على قيد الحياة ومعهم عشرات الآلاف من المتعطلين عن العمل، وهي اعتراف بفشل سياسات الحكومات المتعاقبة في خلق فرص العمل للشباب وتقليص نسب البطالة لا زيادتها.
مازلنا نستذكر اعتصامات أعضاء مجالس النقابات المهنية التي سبقت تشكيل حكومة الرزاز وكيف كان لزخم مشاركة المعلمين بها (وهم يشكلون نصف عدد المنتسبين لهذه النقابات المهنية) قوة فاعلة، ثم توسعت المشاركة حتى أسقطت حكومة الملقي (التي بقيت بروحها ونصف وزرائها ونهجها)، ولا يخفى على العقلاء في القيادة أن استمرار الأزمة سيضع المجتمع أمام مزيد من التحشيد، حيث أن النقابات المهنية التي ساندتها نقابة المعلمين وتشاركت معها في اعتصاماتها مرشح لها أن تنظم باحد إسلوبين الاول ان تطالب كل نقابة منها بحقوق مالية وامتيازات تشعر أنها تستحقها – وبدأ ذلك جليا في تململ نقابة الأطباء قبل يومين- أو أن تتضامن النقابات مع نقابة المعلمين دون الاعلان عن أي مطالب خاصة بها، ناهيك أن فئات مجتمعية تشترك مع المعلمين في حنقها على هذه الحكومة وسابقاتها، وتشعر بالاحجاف وتطالب بالانصاف المالي مثل قدامى المتقاعدين العسكريين، يضاف لهم أكثر من ثلث مليون مواطن متعطل عن العمل مسجل على قوائم انتظار الوظيفة في ديوان الخدمة المدنية، ولا ننسى أن الحالة المادية المتردية للمواطن والسائدة في عموم المجتمع والتي تعمقت في آخر سبع سنوات والتعسر المالي لآلاف التجار وأصحاب الحرف والمهن تشكل وقودا إضافيا يشعل الوضع القائم بما لا يمكن للعقلاء من السيطرة عليه.
في الطرف المقابل فإن الحكومة وأجهزتها الأمنية والاعلامية والتي تعتقد أنها تسيطر على زمام الأمور وتملك المبادرة وخيوط القوة، تراهن على تغير الكفة لصالحها يوما بعد يوم، وذلك باستقطاب المواطنين الذين بدأوا بالتذمر من تعطل أبنائهم عن الدراسة، وقد تلجأ إلى وسائل ضغط قانونية وفردية على قادة الحراك من المعلمين، فهي تهدد حينا بإجراءات قانونية لحل النقابة بحجة عدم دستوريتها، وترسل رسائل سلبية باحتمال إجراء تنقلات بين المعلمين ومدراء المدارس لغايات تصويب اختلالات إدارية في الميدان ورفعا لسورية الأداء، وتعمم رسميا على المديريات والمدارس لحصر المضربين وتفصيلات عنهم لغايات إجراءات تأديبية وعقابية بحقهم، بينما تحضر النقابة مفاجآت على مستوى الكيف، وذلك بالتحضير لمظاهرات ومسيرات واعتصامات في الأطراف تربك المشهد وتدفع الحكومة للنزول عن الشجرة، وقد بدأ اول هذا الحراك في الكرك (الذي طالما اشعلت تاريخيا) فتيل الانشطار النووي، والتلويح بالاعتصام مجددا على الدوار الرابع.
لقد شكل اعلان جلالة الملك عن زيارة خارجية إلى ألمانيا إعلانا غير مباشر للأطراف خاصة الطرف الحكومي بضرورة السعي الجاد الى حل الأزمة، ولكن حتى هذه الساعة لا يوجد بوادر انفراج, فقد اعتقد رئيس الوزراء أن رسالته للتربويين تشكل بادرة حسن نية في حين قوبلت
من قبل نقابة المعلمين بالرفض, متمسكين بخيار الزيادة الموعودة لهم منء سنوات.
تدرك الحكومة ضرورة تصويب رواتب العديد من فئات الموظفين ومنهم المعلمين، ولكن التزامها بخطط التصحيح الاقتصادي وحاجتها الى الاقتراض الخارجي يحول دون تحقيق هذه المطالب التي تنشأ عن ضيق ذات اليد، ولكنها عند الحاجة لن تعدم الوسائل التي تمكنها من توفير الأموال للزيادة المطلوبة، ويتعاظم خوف الحكومة أن يكون رضوخها لمطلب المعلمين الحلقة الأولى من مسلسل مطالبات فئات جديدة لن تستطيع الاستجابة لها أن كان بمقدورها الاستجابة لمطلب المعلمين.
أن تمسك الحكومة بمطلب ربط الزيادة بالمسار الوظيفي وتحسين الأداء مطلب محق يهدف لإصلاح إحدى مظاهر الخلل في البناء التربوي، وفي المقابل فإن المعلمين محقين في تخوفهم من أن هذا الشرط حق يراد به باطل، ويهدف إلى تقليص قيم الزيادة لتصبح هزيلة جدا بحيث تمنح قيمتها القصوى بحدود ضيقة جدا جدا، بينما سيحصل السواد الأعظم من المعلمين على بضعة دنانير، وفي أذهانهم نظام رتب المعلمين دليل واقعي عاشوه منذ قرابة عشرة أعوام.
حتى هذه اللحظة فإن التصعيد وان كان بوتيرة هادئة هو الذي يسود الاجواء، وملامح الانفراج غير منظورة، والوسطاء يرحب بهم من طرف المعلمين وتتجاهلهم الحكومة، ومستوى الوساطة متواضع (مع احترامنا لذواتهم، وتثميننا لحسهم الوطني).
يبدوا أن الأيام القادمة ستشهد مزيدا من التصعيد، وأعتقد أن في جعبة النقابة وحلفائها من وسائل الضغط ما يخلخل المعادلة ويدفع باتجاه نهاية للأزمة، ويذهب البعض في ربط الأزمة بالأحداث خارج جغرافية الوطن، ولا يتوقع انفراج قبل انتخابات الكيان الصهيوني وإعلان صفقة القرن.
للخروج من الأزمة لا بد من توفر وساطة مقنعة للحكومة قبل المعلمين، وذات وزن حكومي مرموق، وانا ارشح رئيس مجلس الاعيان، أو مجموعة من وزراء التربية السابقين أو أحد رؤساء الوزراء السابقين مثل (طاهر المصري أو عبدالرؤوف الروابدة)، بحيث يدار حوار هادئ يقترح فيه زيادة مقدارها ٢٠ إلى ٣٠ بالمئة لجميع المعلمين على أن يربط باقي نسبة ال٥٠ بالمئة بالمسار الوظيفي، يترافق ذلك مع لجان لمحاسبة المتجاوزين في يوم الاعتصام، ويمكن دراسة بعض الحوافز المعنوية والإدارية الأخرى ذات الكلف المادية القليلة.
حمى الله الوطن والهم مسؤوليه الحق والعمل به.

عادل محمد الخشاشنة.
خبير في ادارة الموارد البشرية والتخطيط والدراسات وخبير تربوي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى