احتجاجا على أوضاع الثقافة في الجزائر….قرر "يدعق" النار بكتبه

عز الدين جلاوجي

الرباط ـ حسن الأشرف
يعتزم الأديب الجزائري عز الدين جلاوجي حرق 11 ألف نسخة من كتبه ومؤلفاته الإبداعية من روايات ومسرحيات، احتجاجا على ما سماه “الأوضاع المزرية” التي تعيشها الثقافة في الجزائر.

وشدد جلاوجي في حوار مع “العربية نت” على أن الكارثة لا تكمن فقط في الحكام، بل أيضا في المجتمعات العربية التي قد “تصبر على جوع شهر كامل، ولا تصبر على قراءة كتاب واحد”.

وجدير بالذكر أن عز الدين جلاوجي روائي وناقد وكاتب مسرحي، وهو أحد أبرز الأصوات المثقفة في الجزائر، وقد درس القانون والأدب، واشتغل أستاذا للأدب العربي بالتعليم العام والجامعي.

طوفان عارم

وقال جلاوجي إنه تنبأ، قبل عقد من الزمن في آخر رواياته، بحدوث طوفان عارم (الربيع العربي) يجتاح البلاد العربية بسبب تصرفات بعض الحكام وسياساتهم الاستبدادية، مشيرا إلى أنه في آخر روايته “سرادق الحلم والفجيعة” التي كتبها سنة 1999 قال ما يلي: “الطوفان قادم.. الطوفان قادم.. لا عاصم من الطوفان إلا الفلك لا عاصم من الطوفان”، وأضاف أنه بعد أكثر من عقد من الزمن هاهو الطوفان يجتاح الوطن العربي بما كسبت أيدي الحكام”.

وشدد الروائي الجزائري على أنه حتى لا يكون الطوفان وبالا على الجميع، لابد من فك الطبقة المثقفة المستنيرة التي تخلت عن دورها الريادي، وتابع قائلا: انقلب سُلم القيم، وغرقت الأمة في ظلمات الحقد والتخلف حتى صار يفجر بعضها بعضا، ونجلس يوميا لنشاهد أشلاء المئات كأننا نشاهد “توم وجيري”، وتتسول الطليعة منا خبزها من الآخر، فكان لابد بعد هذا من وسيلة للصراخ استنكارا وتنديدا.

واستطرد جلاوجي بأنه بعد أن بث قرار الحرق، تداعت عليه اتصالات الأصدقاء والأدباء والقراء الذين قالوا: “كتبك هي ملك لنا، ولن نسمح بالمساس بها” ، مشيرا إلى أنه بقدر ما أسعدته هذه الهبة، بقدر ما أحس أنه قد حقق هدف إثارة الانتباه أولا.

وأردف المتحدث بأنه حقق هدف البدء في البحث عن حل، والبحث عن طريق آخر للاستنكار والاستهجان، موضحا أنه بدأ في تشكيل خلية من المثقفين لفعل شيء ما، وداعيا جميع المهتمين للتفكير، فليس من المعقول أن “نخرس ونجلس بعيدا نشاهد نهاية المأساة، ثم نصفق للممثلين، ونخرج.”.

لا للتهميش

وحول سؤال يتعلق بأية اتصالات من جهات رسمية تكون قد حثته على الامتناع عن فعل حرق كتبه، أفاد جلاوجي أنه لم يتلق اتصالات رسمية، فحكام العرب قد يزعجهم كسر في قدم لاعب، أو بحة في حنجرة مغنية، أما المواطن الغلبان ـ ولو كان مثقفا مبدعا ـ فلا ما نع البتة من أن تدوسه حوافر البهائم، على حد تعبير جلاوجي.

وبخصوص سؤال “العربية نت” عن كون حرق الكتب الفكرية والإبداعية كارثة من كوارث هذه الأمة العربية، أجاب الأديب الجزائري بأن تاريخنا مليء بمثل هذه الاحتجاجات، ومليء بشهداء الكلمة الصادقة، فقد أحرق أبو حيان كتبه، و تمرد ابن رشد وابن سيناء وأبو العلاء وابن خلدون، وقد قتل ابن المقفع والحلاج، والقائمة طويلة.

واسترسل جلاوجي: في زماننا هذا، عشرات من المثقفين انتحروا، أو هاجروا، أو نهشهم الرصاص والسياط، وبرد السجون، وعض القيد والجوع، مشيرا إلى أنه لا يوجد فرق بين وطن وآخر من الخليج إلى المحيط، فكلنا في الهم عُربُ”.

وأكد جلاوجي أن الكارثة ليست في حكامنا بالأساس، بل في مجتمعاتنا أيضا، والتي أصبحت كالسائمة، تبكيها كلمات وعظية مليئة بالخرافة والتخلف، وتصبر على جوع شهر كامل ولا تصبر على قراءة كتاب واحد، وتنفق العمر في الشوارع والملاهي، وتزوَرُّ عن الجلوس إلى كراسي المعرفة، وتشغلها كرة جلدية ولا يزعجها هذا التخلف الرهيب الذي أصبحنا نعاني منه”.

وحول سؤال: “هل بحرقك للكتب قررت ضمنيا أن تكف عن الكتابة؟”، أجاب جلاوجي أنه بهذا القرار ما قصد أبدا التوقف عن الكتابة، مضيفا: كيف أتنازل عن سيفي الذي أشهرته أكثر من عقدين، ليكون حربا على الظلم والقبح والهمجية، وناصرا للحب والجمال والتسامح؟.

وخلص الأديب بأنه أصدر 26 كتابا في الرواية والمسرحية والقصة والنقد، وحظيت أعماله ـ خاصة الروايات ـ بكثير من اهتمام النقاد والباحثين، وكانت دوما صوتا للمهمشين والمسحوقين، وستبقى تزرع الأمل في النفوس، وهو واجبنا جميعا أن نتكاتف وننتصر لقيم مستقبل أبنائنا، وأن نصرخ في وجه الدكتاتوريات: لا للقبح، لا للظلم، لا للتهميش”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى