إنهم يُبعدون الأطهار عن صنع القرار

إنهم يُبعدون الأطهار عن صنع القرار
موسى العدوان

ليسمح لي القراء الكرام أن أتحدث في هذه العجالة عن أحد الرجال الأطهار الذي كان صادقا مع وجدانه وضميره، ليس من منطلق عشائري أو مناطقي، بل من منطلق وطني يرتبط بالمصلحة الوطنية الأردنية. وما أود الحديث عنه هو الكاتب والسياسي والوزير السابق طاهر العدوان أمد الله بعمره.
فطاهر العدوان هو ابن الشهيد خلف عبد العزيز العدوان – رحمه الله – والذي كان أحد جنود الكتيبة السادسة بقيادة الرائد البطل عبد الله التل، واستشهد في معركة كفار عصيون بفلسطين في حرب عام 1948.
لقد عمل طاهر في بداية حياته معلما، ثم انتقل إلى مجال الإعلام فعمل في صحيفة الرأي، ثم في صحيفة الدستور عندما كانتا تعبران عن نبض الأردنيين وتقودان الرأي العام نحو الأهداف الوطنية، ثم عمل في الإذاعة والتلفزيون الأردني، إضافة لتأليفه للعديد من الكتب والروايات التي نالت شهرة واسعة.
وفي عام 1997 عيُن رئيس تحرير لصحيفة العرب اليوم الوليدة، فخلق منها صحيفة وطنية تعكس آراء ومشاعر الشعب الأردني بصدق، وتكشف مواقع الفساد وأماكن الخلل، وتقود الرأي العام نحو أهدافه الوطنية.
فكانت أعداد هذه الصحيفة تنفذ من مواقع التوزيع في الأسواق قبل الساعة العاشرة صباحا. فشكلت سابقة صحفية نموذجية ومنبرا للكتاب الأحرار، نظرا لارتفاع سقفها ومعالجتها لقضايا الناس. ولهذا جاء القرار بإعدامها على رؤوس الأشهاد، وأُغلقت أبوابها في منتصف شهر تموز عام 2015.
بتاريخ 9 / 2 / 2011 عُين السيد طاهر العدوان، وزيرا لشؤون الإعلام والاتصال، في حكومة دولة معروف البخيت الثانية. ولكنه قدم استقالته بتاريخ 21 / 7 / 2011 ( أي بعد خمسة شهور و12 يوما فقط )، وذلك احتجاجا على تقديم ثلاثة قوانين، إلى مجلس النواب ضد حرية التعبير، بخلاف الإستراتيجية التي تم الإعلان عنها، من قبل الحكومة قبل أسبوع. فكان الرجل صادقا مع ضميره ووفيا للتعهد الذي قطعه على نفسه لخدمة المواطنين الأردنيين، مضحيا بكل امتيازات المنصب، التي تستهوي الآخرون، ولم تفلح جميع الوساطات في ثنيه عن رأيه. وفيما يلي بعض الفقرات من كتاب استقالته :
” لقد قطعت على نفسي العهد، وأمام مجلس الوزراء في جلسة السبت الأخيرة، بأن لا أذهب مع الحكومة إلى البرلمان، إذا حملت معها مشاريع قوانين ضد الحريات الإعلامية، لأن هذا يتعارض مع مواقفي ومبادئي التي لم أتخلَ عنها، عندما انتقلت من الصحافة إلى الوزارة.
تُشكّلُ مشاريع القوانين المقترحة، الخاصة بقانون المطبوعات وهيئة مكافحة الفساد وقانون العقوبات في نظري، ضربة موجهة إلى نهج الإصلاح، وإلى الإستراتيجية الإعلامية التي لم يجفّ حبرها بعد. والمشروع الخاص بالمطبوعات يناقض تماما ما ذهَبَتْ إليه هذه الإستراتيجية، التي أقرها مجلس الوزراء، والتي عمادها تعديل التشريعات القانونية، من أجل سقف أعلى للحريات وليس العكس، كما تذهب إليه المشاريع الثلاث التي يتضمنها جدول أعمال الدورة الاستثنائية.
لقد نوقشت التعديلات المقترحة على قانون المطبوعات، والخاصة بالمواقع الإلكترونية ( مرتين ) في مجلس الوزراء، ولم يوافق المجلس على إدراجها في الدورة الاستثنائية. وفي جلسة يوم السبت الماضي كانت أغلبية الوزارة المطلقة، ضد إدراج التعديل الخاص بالمطبوعات. لكن يبدو أن هناك إصرار من داخل الحكومة أو بضغوط تمارس عليها، للذهاب إلى الدورة الاستثنائية بحزمة القوانين الثلاث، التي لا يمكن أن توصف إلاّ أنها قوانين عرفية. آمل أن تلاقي الفشل في مجلس النواب.
يضاف إلى كل هذه الأجواء السائدة ضد الإعلاميين، بالاعتداءات المتكررة عليهم، فيما هم يقومون بواجباتهم المهنية. وهذا يتنافى مع دعوات الإصلاح السياسي، الذي لا يمكن أن يقوم على قواعد قانونية وأخلاقية وثابتة، بدون مناخ ديمقراطي من الحريات الإعلامية، وتحت سقف قوانين الحريات . . . “. انتهى الاقتباس.
* * *
التعليق :
1. هذا هو رجل الدولة الذي لم يحرفه الكرسي عن مبادئه وأخلاقه، رغم بريق ذلك الكرسي التي تغري أصحاب النفوس الضعيفة، ممن باعوا آخرتهم بدنياهم. وإن كان لطاهر من ذنب، فذنبه أن كان له من اسمه نصيب، وهو الاسم الذي أعطي له في غياب والده الشهيد، فكان طاهرا في ممارساته الرسمية والمدنية، وفاء لروح والده رحمه الله.
2. وإذا كان لي من تساؤلات، فأقول : مَنْ أحق بتولي المناصب والمشاركة في صنع القرار في هذه الدولة، طاهر العدوان الكاتب والسياسي المعروف بكفاءته ووطنيته، كما أمثاله من أبناء الوطن المخلصين، أم أولئك المنافقون من أبناء جلدتنا المحليين، وغيرهم من الهابطين علينا بالمظلات ؟ ثم لماذا يُبعد الأطهار عموما عن الساحة الوطنية ؟ ألا يشكل هذا الفعل جريمة بحق الوطن والمواطنين؟
في الختام . . أقدم اعتذاري للأستاذ طاهر العدوان، على جاء ما في هذا المقال دون استشارته، ولكنني اعتبرته نموذجا لآخرين من الشرفاء المبعدين، مع علمي الأكيد بأنه لا ينتظر أي مكسب وظيفي أو مادي من هذه الدولة. ولكنني اضطررت للتناغم مع روح الشهيد، التي تلقي علينا أسئلة بالعتاب ..!
التاريخ : 12 / 1 / 2022

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى