إقرار المناهج وصوت الشارع / شروق طومار

إقرار المناهج وصوت الشارع
شروق جعفر طومار

جدل واسع واحتجاجات كثيرة عاشها الشارع الأردني خلال الأشهر الأخيرة حول المناهج الجديدة التي بدأت وزارة التربية والتعليم بتدريسها بداية العام الدراسي الحالي، لم تفلح جميعها في ثني التربية عن المضي قدما في إقرار المناهج.
قبل نحو أسبوع، تم نشر خبر مقتضب جدا مفاده بأن مجلس التربية والتعليم أقر الكتب الجديدة لمادتي العلوم والرياضيات للصفين الأول والرابع الأساسيين، لم يتضمن أي تفاصيل بخصوص عمليات المراجعة والتعديل والحذف والإضافة التي قيل بأنها ستجرى على الكتب التجريبية قبل إقرارها بناء على ملاحظات المختصين والمعلمين وأولياء أمور الطلبة واللجان المشكلة لهذه الأغراض.
الاقتضاب الشديد الذي خرج به الخبر، يشي بأن التربية أرادت تمريره بشكل سريع يجنبها مزيدا من “الصداع” والمجابهة مع الجهات الرافضة للمناهج، لكنه أيضا يحمل شيئا من إدارة الظهر للرأي العام الرافض لها بمعظمه وللملاحظات الكثيرة التي أثيرت حولها.
لا أقول بأن المعترضين على المناهج كانوا محقين في كل ملاحظاتهم، كما أن المدافعين عنها أيضا لم يقدموا لنا ما يقنعنا بها، رغم وجود قناعة واسعة بضرورة تغيير مناهجنا الحالية التي لم تعد قادرة على تزويد الطلبة بما يلزمهم من تأهيل ومهارات تمكنهم من المنافسة وفقا لمتطلبات العصر الحديث.
الاحتجاجات التي جرت والحوارات التي أثيرت على وسائل الإعلام كانت أقرب ما تكون إلى “حوار الطرشان”، فهي لم تتضمن سوى تراشق الاتهامات بين طرف مؤيد للمناهج يتهم المعترضين عليها بالتحجر وممانعة التطوير، وطرف معترض يتهم المؤيدين بمحاولة تغريب المجتمع ونسف القيم الاجتماعية.
لم يقدم أي من الطرفين نقدا علميا لبنية المناهج الجديدة ومدى قدرتها على إحداث التغيير النوعي المرجو في عملية التعليم والتعلم، والانتقال بهما من التعليم بواسطة التلقين الأصم إلى التعليم المبني على التفاعل وتنمية المهارات المتنوعة، والذكاءات المتعددة والإبداع والموهبة الخاصة لدى الطلبة.
ومع ذلك، كان هناك جوانب مهمة وخطيرة فيما أثير من ملاحظات لم تلقِ لها التربية بالاً، وضاعت ضمن الزوبعة التي أثيرت في الهواء.
إشكالية المناهج برأيي لم تكن أبدا مع الطلبة أو في عدم ملاءمتها لمستوى قدراتهم أو وجود فجوة في التحصيل التراكمي لطلبة الصف الرابع كما أثير، فالأطفال عموما وأطفال هذا الجيل خصوصا قادرون على امتصاص المعرفة الجديدة بمرونة عالية وإن تضمنت بعض القفزات، بشرط أن تمرر لهم هذه المعرفة بقنوات وأدوات تتسق سماتها مع ما بُرمجت عليه عقولهم وحواسهم نتيجة نشأتهم في عصر الصخب التكنولوجي والالكتروني والانفتاح الكبير على العالم.
المشكلة كانت في عدم تهيئة البيئة المدرسية المكونة من أبنية المدارس ومن العاملين فيها أيضا وتمكينها لتكون تلك الأدوات والقنوات اللازمة لنقل المعرفة الجديدة بطريقة سلسة وفعالة. لم يتلق المعلمون تدريبا مناسبا ومعمقا يمكنهم من فهم وتبني الفلسفة الجديدة للعملية التعليمية ويطور قدراتهم ومهاراتهم، ولم تخضع المدارس ومرافقها لأي تطوير، وفق ما تحتاجه عملية تدريس المناهج الجديدة.
قضي الأمر، وأقرت التربية مناهجها، وتستعد الآن لتغيير مناهج الصفين الثاني والخامس العام القادم بالطريقة ذاتها، دون أن تتدارك الجوانب الخطرة التي قصرت بها وكانت سببا رئيسا في “جفول” المعلمين من المناهج وتولد شعورا بالعجز لديهم انتقل تلقائيا للطلبة وذويهم وتسبب في حالة الرفض الشعبي الواسعة، والمتوقع تكررها العام القادم إذا لم يتم تدارك الأخطاء التي وقعت والتي ستتطلب مجهودات أكبر لرأب الصدع الكبير الذي اعترى ثقة الناس بأي عملية لتعديل المناهج نتيجة هذه الأخطاء.
يجب على وزارة التربية والتعليم، أن تكف عن حالة “اللامبالاة” التي تدير بها قضايا التعليم الحساسة في الآونة الأخيرة، فتعليمنا المتهاوي لم يعد يحتمل مزيدا من التوهان والتخبط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى