«إعسار لافارج» : ذرائع واهية ويجب رفضه

«إعسار لافارج» : ذرائع واهية ويجب رفضه
• د. سليمان صويص

كلما حاول البعض أن يُقنع نفسه أو يُقنع غيره بأن شركة مصانع الإسمنت «لافارج» قد «فهمت» الفحيص، وبأنها غيّرت نهجها في التعاطي مع قضية الأراضي المقام عليها مصنع الإسمنت يصطدم فجأة بتطورات تؤكد ما أصبح راسخاً في عقول أهالي الفحيص منذ سنوات وقاوموه وتمكنوا من التغلب عليه في جولات عديدة. آخر هذه التطورات تقديم الشركة لطلب تطبيق «قانون الإعسار» من أجل إعادة ترتيب أوضاعها المالية، وهي حجة ـ مدخل لكي تفرض على الفحيص ما عجزت عن فرضه طوال السنوات الماضية؛ الا وهو الإستيلاء على أراضي الفحيص المقام عليها المصنع وبيعها بدون تنفيذ الإلتزامات والإستحقاقات التي تفرضها عليها القوانين الأردنية.
نقول بأن الشركة تتخذ القانون والقضاء ذريعة وحجة، لماذا ؟ لأن «لافارج الأردن» جزء من شركة عالمية عابرة للقارات تحصد كل عام مليارات الدولارات من الأرباح؛ وأذا ما واجه فرع من فروعها صعوبات أو خسائر في منطقة ما في فترة من الفترات، فإنها تعوّض ذلك من خلال الأرباح التي تجنيها فروعها في مناطق او بلدان أخرى. ألم تكن «لافارج الأردن» ترفد شركتها الأم بقسم مهم من أرباحها عندما كانت تحتكر تجارة الإسمنت في السوق الأردني بين الأعوام 1998 ـ 2010 ؟
على صعيد آخر، ينص قانون الشركات الأردني بأن على كل شركة أن تضع 25% من أرباحها السنوية في «حساب الإحتياط الإجباري»، لأغراض الإستثمار أو التوسع أو التطوير. تجاوزت أرباح شركة لافارج خلال العقدين الماضيين ما يقارب المليار ونصف المليار من الدنانير، وعليه فإن المبلغ المودع في حساب الإحتياط الإجباري من المفترض أن يصل إلى 300 مليون دينار بالحد الأدنى؛ إذ أن الشركة لم تتوسع أو تستثمر ما يبرر صرف هذا الإحتياطي. وهذا المبلغ يمكن أن يحل «الصعوبات المالية» التي تدّعي وجودها لتبرير اللجوء إلى الإعسار، علماً بأن احد أسباب هذه الصعوبات هو تراجع مبيعات الشركة نتيجة للتنافس الشديد بعد الترخيص لإنشاء مصانع اسمنت جديدة في البلاد، وانتهاء احتكار لافارج منذ عام 2010، أي أن هذه الصعوبات ستستمر على الأغلب في الأعوام المقبلة.
إذن ، ما هو الهدف الحقيقي للافارج من اللجوء إلى قانون الإعسار ؟
أولاً : تريد الشركة التخلص من الإلتزامات الحالية أو تقليصها إلى أبعد الحدود مثل تسريح الموظفين والعمال المتبقين، وإلغاء أو تقليص رواتب التقاعد والتأمينات الصحية؛ وهو ما سوف يُدمّر حياة آلاف العائلات في الفحيص من أولئك الذين أفنوا حياتهم في العمل في مصنع الإسمنت.
ثانياً : بيع أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت بحجة إيجاد الأموال الضرورية للوفاء باإلتزاماتها. وهي بخطوتها هذه تضرب بعرض الحائط مصير مدينة عريقة من مدن الأردن؛ ولا يضيرها في شيء ولا يرفّ لها جفن إذا ما أدى ذلك إلى تدمير مستقبل الفحيص ، وخلق «مدينة» أخرى جديدة إلى جوار الفحيص لا تمت إلى الفحيص الأصلية بصلة… وكل ذلك يجري أمام أعين الحكومة الأردنية، المسؤولة عن الوطن بجميع مكوّناته وقطاعاته وأراضيه. وكأن جميع التضحيات التي قدّمتها الفحيص وماحص على مدى سبعين عاماً لم تكن كافية ف «تكافأ» المدينتان بأن تسهّل الطريق أمام شركة اجنبية للعبث بمقدرات الوطن، فقط خدمة لجشعها وأطماعها. علماً بأن لافارج لم تدفع ديناراً واحداً ثمناً لهذه الأراضي التي استملكت للمنفعة العامة وفقاً للدستور الأردني، ومعروفة شبهات الفساد التي تحرك ضدها أهالي الفحيص لدى هيئة مكافحة الفساد منذ ثلاث سنوات، ويبدو أن الهيئة تتجاهلها بالرغم من ان رائحة الفساد فيها تزكم الأنوف.
مما يزيد من قناعة أهالي الفحيص بخطورة «الإنقلاب» الذي تقوم به شركة لافارج ضد المدينة والوطن هو أن عملية تفاوضية بين بلدية الفحيص والشركة بدأت منذ أكثر من عام تحت رعاية وضمانة الحكومة الأردنية. وحسبما يؤكد رئيس بلدية الفحيص، المهندس جمال حتّر فإن شوطاً كبيراً قد قطع من المسار التفاوضي وكان على وشك الوصول إلى اتفاق يخدم مصالح الطرفين قبل اسبوعين فقط من إعلان لافارج طلب الإعسار .
ماذا بوسع الفحيص أن ترد ؟ قبل أن نجيب علينا أن نؤكد بأن الوضع خطير ولا يحتمل الإنتظار أو التردد. إن مستقبل أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت، ومستقبل آلاف العائلات للذين يعملون في الشركة او المستفيدون من التأمينات الصحية التي تقدمها في خطر … ولم يعد أمام اهالي الفحيص وماحص إلأ أن يحشدوا قواهم ويعبئوا طاقاتهم وأن يعبروا عن موقفهم بصوت واضح وهادر : لا لنهب أراضي الآباء والأجداد ! لا لمعاقبة الفحيص وماحص مرتين ! لا لتطبيق قانون الإعسار ! كل الدعم لبلدية الفحيص لمواجهة أطماع لافارج ! على الحكومة الأردنية ان تتحرك فوراً لمنع الكارثة بإعتبارها الراعية والضامنة للمسار التفاوضي بين بلدية الفحيص وشركة لافارج، ولا يمكن قبول تهرّب الحكومة من مسؤولياتها.
إن لدى الحكومة وسائل عديدة لوقف هذا الإستهتار والعبث بمستقبل الفحيص وماحص، لا لسبب إلا لمراكمة الثروات في جيوب شركة أجنبية لم يكن بإمكانها التسلل إلى البلاد لولا الفساد. ومما لا شك فيه أن وقوف أبناء الوطن جميعاً إلى جانب الفحيص وماحص سوف يقود النضال الشعبي إلى تحقيق أهدافه. تعلمت الفحيص من نضالاتها السابقة بأن التمسك بالحقوق والوصول إليها له طريق واحد: التحرك الشعبي الواسع المصمم على تحقيق أهدافه. وما ضاع حق ورائه مطالب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى