المراقبجي العثماني والرقيب الحكومي !

المراقبجي العثماني والرقيب الحكومي !
بسام الياسين

ما زالوا يقيسون بمساطر قديمة عفا عليها الزمن، ويخيطون بمسلات عتيقة خرجت من الخدمة، ويفكرون بذهنية سلطوية تسلطية، ويزنون بميزان الجزر الشاقولي . لم يستوعبوا بعد ان الكرة الارضية تحولت الى شريحة الكترونية صغيرة ،و الكون بعظمة افلاكة وخرافية مسافاته، صار مختبرا للمعرفة الانسانية.هذا الانسان المحكوم بالزمان والمكان،اختزل الزمن باختراق حاجز الصوت و لمنافسة سرعة الضوء، فيما بعضهم يمتطي ظهر سلحفاة ، ويشدنا الى ظلمات القرون الوسطى وصكوك الغفران. رغم التحولات المدهشة، يريدون ربط الهيبة بالشوارب المعقوفة والهراوات المقدودة من السنديان.نخب تظن ان الالفية الثالثة، لم تشرق شمسها بعد، وقمرها ابتلعه حوت بحر الظلمات،فيما الحقيقة ان العالم انتفض على المفاهيم البالية ،وهاهو يغذ الخطى من معجزة الى اخرى.

ابان انفجاار ثورات القرن التاسع عشر وانقلاب اوروبا على تعاليم الكنيسة، وتلاشي هيبة وصلاحيات البابوات.انطلق الفكر التحرري المستنير،متصدياً لتكميم الحريات والحجر على العقول.فولدت نظريات الحرية والعدل والمساواة. اذ ذاك ،اصدر «الباب العالي» بالاستانة، امراً بمنع استعمال كلمة «ثورة» او تداولها في الصحافة،واستحدثت الدولة العثمانية آنذاك وظيفة «المراقبجي» مهمته مراقبة المواد الصحفية، والاشراف على طباعة الصحف.وفي روسيا اندلعت الثورة البلشفية ، وراح ضحيتها مليونا انسان. احتار الصحافيون كيف يخرجون من مأزق كلمة «الثورة» ـ الكلمة الممنوعة ـ بامر الامبراطور . وعندما لم تسعفهم الحيلة، رغم ان بضاعتهم الكلام ، اشار عليهم «المراقبجي» حلا عبقريا باستبدال كلمة «ثورة» بكلمة مشاجرة.

طلعت الصحف في اليوم التالي، بمانشيتات رئيسية على صحفاتها الاولى تقول :ـ « مشاجرة كبيرة في روسيا قتل فيها مليونا مواطن روسي » ،فكانت تكتة تاريخية اقرب للمهزلة. كذلك اكتسبت بعض الصحف سمعة سيئة نتيجة لتضليل القارئ وقلب الحقائق بينما ظل بعضها الاخر اميناً على ما استؤمن عليه،وفيا للحقيقة، في جرأة تصل احيانا الى حد التضحية بالنفس،ما اعطاها صدقية واحترام الناس كافة. فالحياة ليست رحلة قطار باتجاه واحد، وعلى مسار واحد، وفوق سكة واحدة، لكنها زاخرة بالاحداث.فاذا كانت الحرية سقفها السماء. فما الضير في التحليق الى اعلى مدى كالنسور الجسورة، وليس كالديدان الزاحفة التي تستمريء الوحل. فالذي عاش عمره جاثيا، ليس بمقدوره الطيران حتى لو استعار اجنحة الاسطورة الاغريقية لانه اعتاد على الدونية .

مقالات ذات صلة

المبدع لا يكون مبدعا الا اذا دافع عن خبز الناس واحلامهم، ووقف الى جانب قضاياهم. وتخمرحب الوطن في عروقه . حب جنيني تشكل في جيناته الموروثة من اصلاب اجداده. لذلك «فالمواجهة» مع دعاة التحجر، ليست سهلة بل ان تقف في وجوهم البغضية كالقلعة لا تهزها ريح ولا تطيح بها زلزلة. اما الذين ينظرون بعين واحدة.فالعيب فيهم وفي رؤياهم الحولاء ،المركزة على زاوية واحدة.فنحن امة اقرأ وقد استحدثوا المراقبجي العصري،لخنق الحرية والعبث بالكلمة المقدسة .

نعرف اننا ندخل حقل الغام،و نتوقع اللا متوقع من اجل الوصول الى الحقيقة، لنضعها بين يدي القاريء والمسؤول، للوقوف على افضل الحلول لحل المشكلات المزمنة،بعد ان نفذ الصبر ولم نر ومضة امل.اما من خان امانة الكلمة ، يجب كشف أوراقه وتعزيره،بامتطاء حمارا بالمقلوب وَالطواف به في شوارع المدينة، ليعرفه الناس ليكون عبرة، وتلك عادة شعبية اشد عقوبة من المحاكم المدنية.

تعرية الفاسدين، اصبحت ضرورة بعد ان فشلت كل الحلول الاخرى،فلا صلاح ولا اصلاح بوجود الفاسدين.لاجل هذا يجب اطلاق النار على الرقيب الذاتي ـ سيء الذكر ـ،وتجاوز الخطوط الحمراء المكذوبة التي رسمها المراقبجي وتحطيم التابوهات المصنوعة من وهم .فالشبكة العنكبوتية جرفت المراقبحي وافكاره المغلوطة وتعاليمه المتخلفة وجعلت الرقيب تحفة قديمة مكانها المتحف لا الحياة النابضة بالحركة ؟!.

يجب ان يكون الوطن اولا، امام الفواجع الكارثية التي نعيشها،ولن يكون اولاً الا بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.ولا يختلف اردنيان ان النخبة الحالية فشلت فشلاً في ادارة الازمات .لهذا بات من ضروريا شلعها من شروشها لانها تعرقل عجلة التقدم. فالبديل لغياب برلمان شعبي،واحزاب فاعلة،وصحافة حرة لا تتحرك بالريموت كنترول الفوضى والعنف وعدم الرضا من الكافة كافة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى