أوقفوا كرة الثلج / د. علي منعم القضاة

أوقفوا كرة الثلج
يقول الدكتور “فيكتور شيا” خبير جودة التعليم في كوريا الجنوبية: إن الشرق الأوسط أهمل التعليم؛ وهو الآن يدفع الثمن! ويضيف أنه لا توجد دولة تتحمل إنتاج جيل دون تعليم جيد، لأنه سوف يكون الجيل الذي يدمر الدولة داخلياً، ويجعلها تتفتت وتفقد وجودها.
أعتقد أن هناك تراجعاً واضحاً وملموساً في أداء منظومة التعليمية قاطبة، مما حدا بدول عربية عدة؛ كانت الأردن قبلتها التعليمية الأولى، أن تسحب الاعتراف من (84%) من جامعاتنا الأردنية، لهو أمر خطير يوجب التوقف عنده، فقد انعكس هذا التراجع بكل تأكيد على سمعة الأردن التعليمية، واللافت للنظر أنه تراجع لا يقابله الاهتمام الحقيقي، والواجب من جميع الجهات الناظمة للتعليم العالي في الأردن، لا نعرف تسمية حقيقية له، (إهمال، تقصير، لا مبالاة)، لكنه تقصير واضح.
واجب علينا جميعاً أن نعيد التفكير بجدية وحزم، فيما يجري من حولنا، والسير بخطى حثيثة، جدية، وحازمة، وواثقة، وثابتة، نحو تطوير وترميم وتفعيل القوانين الناظمة للتعليم العالي، وقوانين الجامعات في بلادنا، بما يكفل عودة الثقة إلى جامعاتنا ونظامنا التعليمي.
وإذا أردنا أن يعود للجامعات دورها الريادي في المجتمع، يجب أن يشمل الترميم على:
1. مُدخلات التعليم الجامعي، التي هي من مخرجات التعليم العام في المدارس، بكل تفصيلاتها، خاصة مناهج التعليم التي يجب أن تكون متناغمة مع إستراتيجية وطنية متكاملة الأطرف.
2. قانون الجامعات بالدرجة الأولى، قانون يضمن أعلى درجات الجودة، وكل الحقوق لأعضاء هيئة التدريس، من أجل الوصول إلى مستويات عالية من المخرجات، ومنها سياسات قبول الطلبة الأردنيين، والطلبة الوافدين. لسنا على الإطلاق بحاجة إلى إنتاج جيل، دون تعليم راقٍ، يدمر علينا كل أنظمتنا الداخلية، في جميع مفاصل الدولة.
3. شروط صارمة جداً لتعيين أعضاء هيئة التدريس، وعدم السماح لغير حملة درجة الدكتوراه بالتدريس الجامعي، مهما تكن الأسباب، إضافة إلى تفعيل شروط البحث العلمي، وديمومته، لجميع من يمارسون العملية التعليمية.
4. أثبتت التجارب العديدة أن استقلالية الجامعات سلاح ذو حدين، وقد تم استخدامه بطريقة تعسفية، لا ترقى على الإطلاق إلى المعنى المقصود منها، وإنني من أشد الداعمين أن تخضع كل الجامعات الرسمية والخاصة، لمظلة مجلس التعليم قولاً وفعلاً، مرجعية واحدة وفاعلة من قبل المجلس، حيث نعاني دون أدنى شك في العديد من المؤسسات، ومنها الجامعات من عدم تفعيل العمل المؤسسي، وإن المسؤول الأول هو الذي يُسيّر كل ما في مؤسسته، بطريقته الخاصة…، وهو ما أدى بالجامعات الرسمية على وجه الخصوص أن تكون ذات مديونية عالية جدا جداً، رغم مواردها الكبيرة.
5. تتشابه حياتنا الجامعية مع حياتنا الحزبية، حيث يتوفر لدينا ما يزيد عن خمسين حزب تكفي الوطن العربي كاملاً، وكذلك الحال بالنسبة لجامعاتنا، فقد أصبحت تجارة السوق تحكم كثيراً منها، وإنني أرى العدد أصبح مزدحماً جداً، وهو أكثر بكثير من الحاجة الفعلية، حتى لو كنا نشكل مركزاً تعليمياً إقليماً، (كَيْفاً أو كمّاً)، في التعليم الجامعي.
لقد اتسع الفتق على الراتق، ولا يمكن أن يصلح الحال إلا إذا تم تطبيق القوانين بشكل فوري؛ وبمنتهى الحزم، مهما كان العلاج مراً، وقاسياً، يجب أن يُعطى للمريض، حيث يمر نظامنا التعليمي بحالة مرضية خطيرة، وينزلق التعليم منزلقات صعبة، ويسير بخطى متسارعة نحو الهاوية، وسنرى اليوم الذي يسحب فيه الاعتراف من كل جامعاتنا الرسمية والخاصة، إذا لم نتدارك الأمر. الذي لا تنسحب عواقبه السيئة، على مغادرة الطلبة الخليجين لجامعاتنا فقط؛ وإنما بدأ تطبيق سحب الاعتراف بشهادات الأردنيين الراغبين بالعمل في بعض الدول الخليج، فقد رفضت لجنة المقابلات لإحدى الدول الخليجية أحد المتقدمين – رغم نجاحه بالمقابلة الشخصية-، رفضت التعاقد معه لأنه خريج إحدى الجامعات الخاصة غير المعترف بها في ذلك البلد.
والحال هذه؛ أصبح الإجراء واجباً وطنياً لوقف كل تجاوزات الجامعات لمعايير الاعتماد، أو الحصول على الاستثناءات لأي سبب من الأسباب، حتى لو توقف التدريس، ومهما تكن العقبات والتبعات. وأظن أن الأوجب هو البدء بالجامعات الرسمية، لأنها الأكثر تجاوزاً للمعايير، وأقولها بكل صدق أن الجامعات الخاصة أكثر التزاماً بالمعايير، ويجب علينا احترام سيادة الدولة والمحافظة على الأمن القومي، الذي يعتبر التعليم أحد أهم منافذه، كلٌ منا من مكان عمله، ومن مؤسسته.
يجب وجوباً – وأعتذر لتكرار كلمة يجب لما تحمله من معنى هام- التشمير عن ساعد الجد في العمل، ونفض الغبار عن كواهلنا، أو كما يقول المصريون: “المطلوب قلب الطربيزة”، والقيام بثورة حقيقية، ضد كل أنواع الفساد الذي ينخر مفاصل التعليم العالي في الأردن، وعدم ترك الحبل على الغارب، هذه الوقفة، وهذه الثورة تحتاج إلى رجال من أصحاب القرار، رجالٌ لا يخشون في الله لومة لائم، ولا يقدمون شيئا على مصلحة الوطن العليا، قبل أن ندفع الثمن غالياً وعالياً جداً.
لدينا في الأردن من الإمكانات والكفاءات والعقول النيرة، ما يجعل من الأردن مركزاً تعليمياً إقليمياً، فنحن رواد التعليم العام، والتعليم العالي، والتعليم الجامعي في المنطقة، ويجب أن يتنبه المسؤولون إلى أن التعليم الجامعي ليس مجرد رسوم الساعات المعتمدة التي يدفعها الطالب الوافد، بل إنه مورد اقتصادي مهم جداً يصل أضعاف، أضعاف الرسوم الدراسية.
لدينا في الأردن جامعات رسمية خاصة، فوق عدد الموجودة ربما في معظم دول المنطقة، وفيها توفير فرص عمل على المستوى الأكاديمي لأعضاء هيئة التدريس في كل التخصصات، وفيها توفير فرص عمل للاحتياج اليومي للطلبة من مطاعم، ومغاسل، وأجور سكن، وعملة صعبة للإنفاق على العيش، ومصاريف يومية للوافدين وعائلاتهم، وغيرها من خدمات تُقدم للجميع بمختلف أنواعها، هذا غيض من فيض، حول التعليم العالي الأردني.
أوقفوا كرة الثلج من التدحرج

الدكتور علي منعم القضاة
أستاذ مشارك في الصحافة والتحرير الإلكتروني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى