أهمية المؤسسات المالية المتخصصة للاقتصاد الأردني

أهمية المؤسسات المالية المتخصصة للاقتصاد الأردني
أ. د أحمد العجلوني
أكاديمي وخبير اقتصادي

تلعب المؤسسات المالية المتخصصة دوراً مهماً في الاقتصاد من خلال تقديم التمويل والدعم الفني للمشاريع الاقتصادية الصغيرة والمتوسطة في قطاعات تحجم البنوك عن تقديم التمويل لها بسبب ارتفاع مخاطرها، كما أنها تقدّم التمويل لجهات تستهدف الدولة دعمها بشكل خاص مثل البلديات أو المواطنين الراغبين بتملك مساكنهم. وهنا يأتي دور الحكومة كممثل للمصلحة العامة في دعم هذه الشرائح والقطاعات بإنشاء هذه المؤسسات المالية من خلال البنك المركزي وإشرافه، وتساهم فيها وتسهّل لها سبل التمويل منخفض التكلفة من المصادر المحلية أو الأجنبية لكي تتمكن من تقديم هذا التمويل للجهات التي تحتاجها. ومن أمثلة هذه المؤسسات مؤسسة الإقراض الزراعي وبنك تنمية المدن والقرى.
لقد تميّز الأردن منذ فترة طويلة بالسبق في إدراك أهمية المؤسسات المالية المتخصصة، وتم إنشاء العديد منها لدعم قطاعي الصناعة والزراعة وغيرها، كما اهتم بتسهيل حصول المواطنين على التمويل العقاري بشروط ميسرة من خلال بنك الإسكان (قبل أن يتحول إلى بنك تقليدي). ولكننا لم نستفد من هذا السبق ولم نقم بتطوير هذه المؤسسات وتدعيم دورها في الاقتصاد، بل إن ما حدث هو العكس حيث تم بيع بنك الإنماء الصناعي وتحويله إلى بنك تابع لبنك دبي الإسلامي، ليعمل على أسس ربحية وبملكية خاصة. وبالتالي فقد أصبح الصناعيون الصغار والحرفيون بلا ظهير مالي وفني. كما تم تحويل بنك الإسكان بالكامل إلى بنك تقليدي (بعد أن أعطي الترخيص للتمويل العقاري بدعم حكومي) وبات الحصول على قرض عقاري لغايات السكن خاضعاً لشروط البنوك دون أي دعم مالي حكومي.
لقد جاءت أزمة الكورونا لتثبت مدى الحاجة إلى هذه المؤسسات بعد إخفاق البنوك في تلبية الاحتياجات التمويلية لكثير من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تضررت بشكل مباشر من الأزمة بسبب طبيعة عمل البنوك التي لا تتقبل مستوى المخاطر الخاص بطبيعة عمل تلك الشركات، وحتى مع وجود برامج الدعم الحكومية التي عرضت لتقدّم من خلال البنوك فإنها عانت من تعنت البنوك وتعقيد الإجراءات لأنها تريد ضمان أكبر قدر من الأرباح بأقل قدر من المخاطرة، وهذا ما لا يتاح لها بسبب ضعف الشركات الصغيرة والمتوسطة. ولم يكن دور مؤسسة ضمان القروض كفيلاً بتغطية النقص. فباتت هذه الشركات كما المريض الذي لا يملك ثمن العلاج ولا يجد له سريراً في مستشفيات الحكومة ولا تستقبله المستشفيات الخاصة لأنه لا يقدر على الدفع.
كما كشفت الأزمة عن الغياب شبه الكامل لمؤسسات التمويل الرديفة عن المشهد؛ رغم أنها تتبع مؤسسات عامة أو جهات غير ربحية، فقد غاب دور مؤسسة تنمية أموال الأيتام وصندوق توفير البريد وصندوق الحج وغيرهما. كما غاب دور الصناديق النقابية المتخمة بمئات الملايين عن دعم الاقتصاد الأردني أو دعم أصحاب المؤسسات الصغيرة من منتسبيها.
لقد تم إعطاء البنوك أهميةً ودوراً مبالغاً فيه في الاقتصاد، مقابل عدم تطوير هيكل النظام المالي وإنشاء وتطوير مؤسساته الأخرى التي لا غنى لأي نظام مالي سليم عنها. وعلى الرغم من تطوّر مؤسسات النظام المالي على المستوى الإقليمي والعالمي، إلا أننا لم نشهد منها في الأردن إلا النزر اليسير، وأخشى بأننا سنخسر الكثير من المزايا الاقتصادية وسنفرّط في الحلول المناسبة لكثير من مشاكل القطاعات الاقتصادية إن لم نبادر بإعادة النظر في هيكلة النظام المالي بشكل سليم، وفتح المجال أمام مؤسسات التمويل الحديثة كمنصات التمويل الجماعي ومؤسسات الادخار والاستثمار ومؤسسات تمويل رأس المال المغامر وغيرها من المؤسسات التي يفتقدها الاقتصاد الأردني وهو بأمس الحاجة إليها.
ومن هنا فإنني أدعو إلى إحياء فكرة بنك التنمية الصناعي كخطوة أولى، وأن تتحمل مؤسسات المجتمع المدني من نقابات ورجال أعمال مسؤوليتها الوطنية والمهنية لتساند الحكومة في إنشاء ودعم البنك. فلا يعقل أن تلقى كل المشاكل على عاتق الحكومة (أي حكومة) وأن تستخدم قوى الضغط لتحصيل أكبر قدر من المنافع دون أن يكون هناك مساهمة فعلية من الأطراف الفاعلة في الاقتصاد.

حفظ الله الأردن من كل شر؛ وأدام ازدهاره

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى