على دلعونا

على دلعونا
يوسف غيشان

وبدأ فصل الصوبات. حينما تدخل الى البيت، وتصدمك رائحة الكاز من الصوبة، يؤكد لك الذين بداخل الغرفة من فترة، بأنك تبالغ ,تتوهم بأن هناك رائحة نفاذة للكاز داخل الغرفة. وهذا ما يحصل مع جميع انواع الرائحة من رائحة الجرابات مرورا بالشوربات وليس انتهاء بالكرشات.
المهم في الموضوع، أنك بعد ان تدخل في الجو يتقلص احساسك بالرائحة تدريجيا حتى تختفي تماما من خياشيمك، وتشرع بتكذيب الداخلين الجدد الى جو الكاز. السبب في ذلك كما خبرنا علماء الفرنجة ان الخلايا الخاصة بالشم واستشعار تلك الرائحة تكون قد ماتت مع الدخول في الجو الموبوء، فتبقى الرائحة كما هي، لكننا لم نعد نمتلك القدرة على شمها.
يعني ذلك ان الاعتياد على الجو الموبوء تجعلنا نفقد القدرة على الاستشعار به، لأن خلايانا تموت من كثرة الاستعمال، وكلما كانت الرائحة أكثر نفاذية كلما خسرنا الإحساس بها بشكل أسرع.
هذه ليست حقيقية علمية فقط، بل هي للأسف حقيقة اجتماعية وحقيقة سياسية أيضا وأيضا. ففي جو الفساد العام، نعتاد بسرعة، كذلك في الهزائم على كافة الصعد. الغريب اننا نفقد الإحساس حتى بالروائح الأخرى…
– اعتدنا على الاحتلال الأميركي في العراق !!
– حكومات عربية تطلق النار على المتظاهرين فيسقط العشرات في انحاء الوطن العربي الكبير.
– اعتدنا على المجازر الصهيونية المتكررة حتى لم نعد نفاجأ.
– صار قصف غزة مجرد خبر اعتيادي نقفز عنه.
– اعتدنا على ارتفاع الأسعار !!
– اعتدنا على رفع أسعار المشتقات البترولية بالكريك، وتنزيلها بالقطارة.
وعلى وعلى…. وعلى دلعونا.
اعتدنا على كل شي، فقد ماتت الأحاسيس، بينما الجو داخل الغرفة مكتظ برائحة الكاز والدخان وثاني أكسيد الكربون.
إني اختنق…. اننا نختنق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى